لاتزال قضية الليبيات المتزوجات بأجانب تثير جدلا، وازدادت حدة منذ بدء السلطات المختصة في منح مواطنيها ارقاما وطنية تثبت هويتهم وتحدد اصولهم، فالتشريعات لم تمنح هذه الشريحة حقوقها بشكل كامل، ومنها الحق في منح جنسية الأم الليبية لأبنائها، وتجردها غالبا من حقوقها المدنية والسياسية.
هذه الإجراءات تؤثر غالبا على ابنائهن، وعلى تحصيلهم الدراسي ووجودهم ومشاركتهم داخل المجتمع، ويعرضهم للعنف والتنمر والعنصرية، في مراحلهم العمرية المختلفة.
تقول عائشة البرعصي 40 عام وهي أم لثلاثة أبناء “يتعرض ابنائي للأذى والعنف بشكل متكرر، كونهم أبناء لأب سوري الجنسية، ماأثر سلبا على تحصيلهم الدراسي ووضعهم النفسي، وأثر ايضا على الأسرة ككل”.

وتضيف (يتعامل ابنائي معاملة الأجانب نفسها في كل المعاملات اليومية، فلا تعليم مجاني ولا صحة مجانية ولا اي خدمات، فأنا وابنائي غرباء طوال الوقت، نحاول الصمود في مواجهة كل هذا، ولكن ماذنب اطفالي؟؟ “.
عنصرية وعنف
وترجع الاخصائية التربوية نادية الكاديكي العنف والتنمر الذي يتعرض له أبناء الليبية المتزوجة بأجنبي لنظرة المجتمع للأجانب والصورة النمطية له، فالبعض يعتبره “انسان من الدرجة الثاني” حسب وصفها.
ورأت الكاديكي أن المجتمع ينظر بعنصرية للاجني او المهاجر أو اللاجئ، وتضيف” البعض يرى أن الأجنبي هو شخص مخصص للعمل فقط، ولايحق له الزواج او تكوين اسرة، ومن ترتبط به من الفتيات الليبيات بنظرهم فهي متمردة على العادات والتقاليد والاصول الاجتماعية التي تنظم المجتمع، وتقول” احيانا تنبذ بعض المجتمعات في شرق البلاد وغربها وايضا جنوبها، الليبية المتزوجة بأجنبي ويعتبروها مسيئة لاسرتها ومجتمعها ما يترتب عليه تعنيفها هي وابنائها بشكر متكرر في المدرسة والشارع والتجمعات المختلفة، العائلية منها والرسمية.

وتحدثت عائشة عن المصروفات التي تضطر لدفعها للجهات المختصة مقابل اجراءات الاقامة كل فترة، او مقابل الخدمات المختلفة كالتعليم والتنقل والعلاج وتقول” الليبيات المتزوجات من أجنبي يعانن بشكل كبير، فالوضع الاقتصادي العام ونقص السيولة وغلاء الأسعار يزيد من الضغوطات علينا، فلاقانون يحفظ حقوقنا، ولا مساواة، ولا حماية، اشعر احيانا وكأني لست مواطنة ليبية”.
حلول مؤقتة
ورغم اصدار حكومة الوحدة الوطنية قرار رقم 209 عام 2022، والذي يمنح أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب حقوقاً مساوية لحقوق المواطنين، بما في ذلك التعليم والعلاج المجاني والإعفاء من التأشيرة لدخول ليبيا، إلا أنه قوبل بالنقد من قبل النشطاء لأنه يعامل الأبناء كـ”ضيوف” أو “مقيمين مكرمين” بدلاً من منحهم حقوق مواطنة أصيلة، مما يضعف المطالبة بإصلاح جذري للقوانين.

ويواجه أبناء الليبيات من أب أجنبي صعوبات في الحصول على وثائق الهوية مثل الرقم الوطني وجواز السفر بسبب عدم الاعتراف بهم كمواطنين وفقا للتشريعات المحلية.
فلم تستطع حليمة الوافي43 عام، وهي أم لخمسة أبناء من استصدار اوراق ابنائها الثبوتية من أب سوداني بشكل سلس، فالقيود التي تفرضها السلطات الليبية تعرقل هذه الإجراءات، وتقول” احاول منذ أكثر من 5 سنوات استصدار اوراق ثبوتية ليبية لابنائي ولكن دون جدوى، فرغم القوانين التي تمنحني هذا الحق وفقا لشروط معينة، إلا ان تنفيذها غير مطبق في الواقع، ولكني سأظل احاول حتى اتمكن من ذلك”.

ودعت الوافي السلطات التشريعية في البلاد إلى تناول هذا الملف بشكل عاجل وجدي، واصدار تشريعات تمكنهن من منح ابنائهن الجنسية الليبية على غرار الليبي.
قيود قانونية
ووفقًا لنص المادة 11 من قانون الجنسية رقم 24/2010م فقد نصت على “جواز” منح أبناء وبنات الليبيات المتزوجات بأجانب الجنسية الليبية وفقًا لشروط معينة ، بعكس الليبي الذي تمنح الجنسية لأبنائه دون شروط او قيود.
وحتى في حال توافرت هذه الشروط فأن المشرع منح السلطات المختصة البت في الأمر جوازيا، فلها أن توافق أوترفض منح الجنسية لأبناء الليبية من أب أجنبي وهذا يتعارض مع الإعلان الدستوري الذي نصَّ صراحة على أن الليبيين متساوون أمام القانون ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية.

واعتبرت الناشطة الحقوقية والقانونية فريحة الجيلاني أن الليبية المتزوجة بالأجنبي حقوقها “مغتصبة بأسم القانون “، وتضيف” فقد خرجت من دائرة المواطنة الى درجة اخرى ثانية بشكل تعسفي وعنصري، وذلك بعد اضافة حرف ب، بمجرد زواجها بالأجنبي، ما يجعلها في خانة اخرى اقل من المواطنة، تجردها من حقوقها وتخرجها من منظومات عدة خدمية وصحية وتعليمية، كمنظومة الحج والترشح والتعليم وغيرها”.
واوضحت الجيلاتي أن القانون رقم 10 يمنح الأجنبي الحق في الحصول على الجنسية الليبية بمجرد اقامتة 10 سنوات في البلاد، ويمنحه ايضا الحق في المشاركة السياسية كأي مواطن ليبي بمرور 10 سنوات اضافية، فمن باب اولى ان تمنح الجنسية لأبناء الليبيات دون تمييز او قيود.

ومع غياب البيانات الرسمية والدقيقة حول عدد الليبيات المتزوجات بأجنبي، فقد أشارت تقديرات وإحصاءات غير دقيقة صادرة عن منظمات المجتمع المدني في 2020 م، إلى أن عدد الليبيات المتزوجات من أجانب قد وصل إلى 15 ألف مواطنة أو ربما أكثر.





