يتوتّر الجميع دون استثناء، بمجرّد دخول أفكارهم في الزواج حيّز التنفيذ. وهذا الأمر طبيعيّ نظرا لأهميّة هذه الخطوة في حياة الإنسان، وما يصاحبها من ضغوط نفسيّة واقتصاديّة والتزامات اجتماعيّة.
وفي تقريرنا سنناقش الأمر من ناحية نفسية مع أحد المختصين، كذلك دور المؤسّسات، كما سنتناول تجارب بعض الأزواج الحديثين ورأي أحد العازفين عنه.
الطبيب وخبير الصحة العامّة النفسية رمضان المصراتي والمتخصّص من جامعة سابينزا روما، وجامعة هيوستن تكساس، يرى أنّ الصعوبات التي تواجه الشريكين في الفترة الأولى من الزواج لها شقّ نفسي وآخريْن اجتماعي واقتصادي.
واستشهد المصراتي بإحدى الدراسات الأمريكية – لم يذكر عنوانها – التي تمّ إجراؤها لكشف الأسباب وراء التوتر والقلق المُزمن والاكتئاب الذي يُصاحب الزواج أو يأتي بعد الانفصال.
حيث وجد الباحثون أنّ الأشخاص الذين يفكّرون في الزواج يُصابون بالقلق بنسبة 50٪. وعندما يحصل الزواج تبقى هذه النسبة من القلق ثابتة. وخلال تجربة الزواج والصعوبات التي تواجه الشريكين في الفترة الأولى من الزواج؛ إمّا أن يتخطّى المتزوّج حديثا القلق وينتهي الشعور به تماما، أو يخف تدريجيا مع الزمن أو أن يبقى وتزيد معدّلاته إلى أن يتحوّل إلى قلق مزمن أو اكتئاب.
غير أن اللافت للنظر؛ أنّه في حالة الانفصال فإنّ هذا القلق يرتفع فورا إلى نسبة 100٪. ومع استمرار هذا الاضطراب يتحوّل مع الزمن إلى قلق مزمن أيضا.
وذكر المصراتي أنّ المقبلين على الزواج يتعرّضون للقلق، ويشعرون أنّهم ماضون نحو المجهول، لكنّ معدّلات القلق وحِدّتها تعتمد على الفروق الفردية التي يملكها الأشخاص، بسبب تنشئتهم الاجتماعية، وتربيتهم وطباعهم وشخصيّاتهم، إن كانوا مستقلّين أو اتّكاليّين مثلا، وغيرها من الفروقات.

تناولت وكالة سبوتنيك الروسية في أحد تقاريرها عن ليبيا والذي تمّ نشره في فبراير 2019، أسباب ازدياد معدلات الطلاق في ليبيا.
تناول التقرير إحدى الدراسات التي أجرتها الباحثة الليبيّة، لبنى يونس، عن أسباب الطلاق والذي يكون نتيجة لعدم قدرة الزوجين على تجاوز صعوبات الزواج، حيث أشارت نِسَب دراستها، إلى أنّ المشاكل الجنسية والتفاوت في العمر والثقافة والإهمال على رأس مسبّبات الطلاق.
واستطلعت الدراسة آراء 100 رجل، و250 سيدة. وجاءت آراء 40 سيدة متقاربة، بشأن عدم قدرة الزوج على توفير متطلّبات المعيشة، ممّا يترتّب عليه الهرب من المنزل، وإهمالها هي وأطفالها، مقابل الجلوس على المقهى.
فيما عزت 100 سيدة أخرى أسباب الطلاق إلى مشاكل جنسية، وأيضا الأوضاع المادية التي تنعكس بشكل سلبيّ على كافة أوجه الحياة، وتؤدي إلى التوتر الدائم.
قد لا تتعلّق مخاوف الفترة الأولى من الزواج فقط بالمسؤوليات وإنما بالحقوق التي يكفلها القانون أيضا، والتي قد لا يكون للزّوجين دراية كافية بها.
فقد ناقشت هيئة الأمم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين، من خلال برنامج قفزة النساء للأمام في أحد تقاريرها الفجوة بين الجنسين موضّحة أنّ قانون الأسرة الليبي يتضمّن العديد من الأحكام التمييزية، التي تقوّض ضمانات المساواة بين الجنسين.
وأضاف التقرير أنه لا يوجد في ليبيا حاليّا أيّ قانون موحّد للأسرة، حيث تتوزّع هذه الحقوق بين قوانين مختلفة متعلّقة بالأحوال الشخصية مُستمدّة جزئيا من المذهب المالكي السني.
وتحتوي على أحكام تمييز ضدّ المرأة، وتبتّ المحاكم المدنية عادة بالمسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية وفق هذا المذهب، حيث تم دمج المحاكم المدنية والشرعية منذ عام 1969.
وبموجب المادة 17 من القانون الليبي رقم 10 لعام 1984، فإنّه يقع على عاتق الرجال والنساء مسؤوليات محدّدة أثناء الزواج.
فالزوجات ملزماتٌ قانونا بضمان الراحة البدنية والنفسية لأزواجهن، وتحمّل جميع المسؤوليات المنزلية ورعاية الأطفال. في المقابل، يحق للزوجة الحصول على الدعم المالي من قبل زوجها، والتحكّم بدخلها وأصولها الخاصة، والحق في عدم التعرّض للعنف النفسي أو الجسدي.
كما أنّ الرجال لديهم الحق في تطليق زوجاتهم بشكل أحادي، وليس لدى النساء نفس الحق، ويمكنهنّ فقط الحصول على الطلاق في إطار عدد محدود من الظروف، كما لا تزال المرأة المطلقة تواجه وصمة اجتماعية كبيرة.

محمد وعمره 33 سنة، متحصّلٌ على ماجستير إعلام، يعتقد أنّ المخاوف من الزواج تكمن في فقدان الاستقلالية بتدخّلات الزوجة في كل شيء، والمسؤوليّات التي تصبح ثقيلة في مجتمع كمجتمعنا الليبي، حيث بات كل شيء صعب المنال ابتداء من الخبز وانتهاء بالدواء.
وأضاف أنّ طبيعة العلاقة بين الزوجين في ليبيا تكون مبنية على التملك والمنفعة وتحمل طابعا براغماتيا بشعا.
وختم تعليقه ”لا أفكّر في الزّواج لأنني أجد أن مجرّد التفكير به أمر سخيف فالزواج لا يرتبط بموعد ولا يحتاج منا تخصيص وقت، بل احتياجٌ نشعر به عندما نقابل شخصا نحتاج إلى الارتباط به، وليس واجبا اجتماعيا، فإذا لم أجد من أشعر تجاهها بهذا الشعور فلن أتزوج“
مي وعمرها 24 سنة متزوجة حديثا (منذ 7 أشهر) من أحمد الذي يكبرها بعامين. وهي معلّمة وخرّيجه جامعية.
تقول مي إنّ خِطبتها كانت بطريقة تقليدية، خافت في البداية من اختلاف الأولويات بينهما، كما كان يقلقها الاختلاف في المستوى التعليمي، حيث إنّ زوجها لم يكمل دراسته، وكانت النتيجة في قولها ”لم يكن هناك داعٍ للمبالغة بمخاوفي، فقد جدته متفاهما وسارت الأمور بشكل جيد بيننا“
وأكّدت مي أنّ فترة خطوبتهما التي امتدّت سنة ونصفا ساعدتها كثيرا لتفهّم الشخص الذي ستشاركه حياتها: ”كنّا نتجاوز خلافاتنا بسهولة، وحين اقترب موعد الزواج، على قدر الفرحة العارمة التي شعرنا بها، على قدر الخوف والرهبة“
ولخّصت مي المخاوف التي كانت عندها حول الفترة الأولى من الزواج، بهذه الأسئلة:
هل سأستطيع تحمّل المسؤولية؟ هل سأعيش مع نفس الشخص الذي كنت أتحدث معه على الهاتف؟ هل سأتقبل فكرة أن يشاركني أحد كل تفاصيل حياتي ويتحكم فيها؟ هل سأستطيع أن أعيش في بيئة غير التي عشت وكبرت فيها؟ وكيف سأتحمل كل أعباء المنزل؟
محمد القاسم مهندس، يبلغ من العمر 25 سنة. يعبّر عن تجربته الزوجيّة الحديثة نسبيّا، بقوله:
”بمرتّب حكوميّ، قرّرتُ خوض مغامرة الزواج رفقة زوجتي التي تصغرني بعامين، متحدّيا جميع الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي نسبح في تيّار يعاكسها تماما”
وأوّل المشاكل التي واجهت الزوجين الوضع الاقتصاديّ غير المستقر. فمرتّب واحد لا يكفي لإيجار شقة وتحمل مصاريف حياة شخصين. يصف القاسم حالهم حينها:
”بعد عدّة محاولات فاشلة لإعادة ترتيب المشتريات وفقا للمبلغ المتاح، قررت افتتاح مشروع صغير خاصّ بي، وبالفعل بعد ثلاثة أشهر فقط من زواجي، كنت قد افتتحت شركة صغيرة للدعاية والإعلان، وعندما رزقنا بطفلتنا الأولى، تغيرت الخطة الاقتصادية قليلا، مما اضطرّ زوجتي لاستئناف عملها كمعلّمة بعد توقف“
أمّا عن المشكلة الثانية وهي السكن، ببعض المساعدات المالية من العائلة والأصدقاء تمكّن القاسم من بناء شقة في طابق علوي تابع لبيت أهله، والذي يرى أنّها لن تتسع لهم طويلا إذا ما كبرت عائلته.
فيما ذكر القاسم أن المشكلة الثالثة كانت الوقت الذي كان واجبا عليه أن يمنحه لأسرته، فالعمل بدوام كامل في القطاعين الخاص والعام، بالإضافة لالتحاقه بالدراسات العليا، كلّ هذه الظروف لم تمنحه الوقت الكافي.
أمّا فيما يتعلق بدور المؤسسات المعنية بالتوعية الخاصّة بالثقافة الاجتماعية والنفسية والعلاج النفسي والسلوكي والتوعية الجنسية في ليبيا، علّق اختصاصيّ الصحّة العامّة النفسيّة د. رمضان المصراتي:
”لا توجد مؤسّسات تقدّم الثقافة النفسية بشكل عام، كما أنّ الحديث في المواضيع الجنسية يعدّ في مجتمعنا من التابوهات، لكن يمكن التغلّب على الأمر بوضع التثقيف الجنسي ضمن حزمة من برامج التوعية النفسية“
وأضاف ”للتوعية الجنسيّة أبعاد أخرى، غير شرح الممارسة الحميميّة، وهو ما لا يتقبّله مجتمعنا، إذ إنّ من شأن التوعية الجنسية أن توفر للأفراد معرفةً بما قد يعرّضهم للاستغلال الجنسي أو الاصابة بالعدوى المنتقلة جنسيّا“
وبعد هذه الجولة بين الحقوق والقوانين وتقاطع التحديات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، يتضح أنّ قرار الزواج ليس سهلا، والفترة الأولى منه مهمّة لاستمراره، بشكل يجعلنا نوصي بضرورة توفر برامج للإعداد النفسي والسلوكي والجنسي للمقبلين على الزواج.
رائع جداً
موضوع مهم يستحق اهتمام كبير
هذا منشور مفيد…وبارك الله فيكم على الاستفاده
اتفق مع لعض الاراء الموجودة في الصفحة
مقال لطيف فعلا مررت شخصيا بالكثير مما ذكر في المقال
مقال واقعي …بالفعل نحن نريد تقييم نفسي مع التثقيف و التوعية … اعتقد سيكون المجتمع و بالأخص و الشباب و الفتيات اكثر نضجاً و تأهيلاً قبل الزواج.