في كل سيدة قد تُزهر الوردة
على طول الممرّ بأحد المستشفيات الليبيّة، جلست سيّدات من أعمار مختلفة، في انتظار أدوارهن للكشف؛ همسات وهمهمات، نظرات مذعورة مترقّبة لرد الطبيب/ة بعد الكشف.
هل سيكون ودودًا وضيفًا خفيفًا أم خبيثًا أعلن زحفه وسطوته؟!
من أصل 10 إلى 8 سيّدات على مستوى العالم؛ هنالك سيّدة واحدة على الأقل أنبت نسيج صدرها، كتلة غريبة قد تكون واضحة، مُعلنة نفسها لصاحبتها، أو مختبئة، اُكتشفت بمحض الصدفة من خلال كشف روتيني عابر؛ لتكون بعدها موضع اهتمام ومركز حياة حاملتها.
تغيّرات في حجم الثدي، إفرازات دموية، تغيّرات في شكل الجلد الخارجي للثدي واكتسابه شكل قشرة البرتقال، تغيّر في شكل الحَلَمة، وربّما انقلابها للداخل، كتلة بملمس مختلف وحجم يتغيّر من مريضة لأخرى؛
هذا ما تختبره أكثر من مليون وأربعمئة امرأة حول العالم سنويًا، من أعراض لثاني أكثر السرطانات شيوعًا بين النساء.

طريق مكتظة بالعقبات
على قدر الارتفاع الذي سجّلته منظمة الصحة العالميّة لمستوى التوعية حول سرطان الثدي، إلا أن هذا الارتفاع بدا مصاحبًا لازدياد عدد الإصابات بشكل كبير، لعدة أسباب. بعضها متعلق بالظروف المعيشيّة وأخرى بقلة التوعية وضعف الأنظمة الصحيّة وغيرها.
وليس غريبا، أنّ للدول التي تقدِّم مستوى متدنٍ من الخدمات الصحيّة وهشاشة في الأنظمة الصحيّة النصيب الأكبر من عدد الإصابات والوفيّات، وليبيا بكل أسف، أحدها.
تقول بامتعاض شديد، اختصاصيّة الجراحة العامة، والأستاذ المساعد بالجامعات الليبيّة؛ أ. د. فريال الخمسي (مركز طرابلس الطبي) بعد أن سألتها عن النظام المتبع للكشف عن سرطان الثدي في ليبيا، وإن كان ثمّة جهود وخطط للتوعية بضرورة الكشف المبكر، والمسح الشامل:
“الوضع في ليبيا مازال مُقلقًا جدًا، فمستوى التوعية ليس بالجيد حول ضرورة الكشف الدوري للثدي لدى النساء الليبيّات عامة، فعدد كبير منهنّ للأسف يأتي في مراحل متأخرة، وقد بدأ هذا الورم بالفعل في الاستفحال متجاوزًا المراحل الأولى للسيطرة”
تضيف الخمسي: “لابد من وضع نظام خاص بالمسح سنويًا وفق خطّة محكمة من التوعية حتى مراحل العلاج الأخيرة، وإلا فالوضع في تفاقم مستمر خاصة مع الظروف الآنيّة التي تعيشها البلاد”
وختمت: “كلّ الحملات التوعويّة والحملات الخاصة بالكشف المبكّر والتي يتم تنظيمها في شهر أكتوبر من كل عام، هي مجهودات فرديّة من قبلنا نحن الأطباء، بما تتيحه الإمكانيات الموجودة لدينا، والتي تكون في الغالب غير كافية ولا تغطّي فئة كبيرة من النساء الليبيات، المستهدفات من المسح.”

تحديات وآمال
يقول الرسام الهولندي فينسنت فان غوخ: “في قلب المأساة ثمة خطوط من البهجة“. كذلك في قلب المرض، الألم، والمعاناة ثمة دائمًا خيوط من الأمل والبدايات الجديدة لمرحلة جديدة أقل بؤسًا وإيلامًا.
مؤسسة الاتحاد الليبي لمكافحة السرطان كانت بداية الأمل، فمنذ حوالي 10 سنوات من تاريخ تأسيسها؛ شكلت المؤسسة اللبنة الأولى للمراكز والمنظمات التي تعنى بالتوعية وعلاج الأورام؛ تخبرني الأستاذة أسماء الجويلي، رئيس مؤسسة الاتحاد الليبي لمكافحة السرطان:
“تأسّس هذا الجسم في البداية بإمكانياتٍ بسيطة جدًا، قمنا خلال كل هذه السنوات ببناء مؤسسة تهتم بكل مرضى السرطان بمن فيهم المُصابات بسرطان الثدي؛ حيث نظّمنا حملات توعية وأخرى خاصة بالكشف على مستوى البلاد، للتوعية بخطورة سرطان الثدي، والطريقة الصحيحة للكشف الدوري للسيدات”
واستطردت الجويلي:
“للعوائق دائمًا نكهة خاصة قبل الوصول، أكبر تحدياتنا كانت قلة الإمكانيات المالية، التي يحتاجها هذا الجسم غير الربحي لتدوير نشاطاته في كل البلاد”
“إلا أنه مؤخرًا، ومع كل النشاطات التي قدمناها، كانت نتيجتها دائما جيدة، سنة بعد أخرى؛ تمكّنا من الحصول على بعض الدعم من جهات مختلفة، حتى إننا أسّسنا قسمًا خاصًا بالإحصائيات حول عدد الإصابات بهذا المرض كل سنة، بالتعاون مع عدد من الأطباء والاستشاريين من بينهم الاستشاري الطبيب اسماعيل سيالة وآخرون، كانوا خير عون لمساندة أي مريض يحتاج للعلاج إضافة إلى التوعية”.

عدو أم صديق؟
“ليس بالضرورة أن يكون السرطان عدوّا كما اعتدنا أن نصفه، السرطان بالنسبة لي كان بداية حياتي الحقيقيّة، كان صديقًا إن صحّ لي أن أسميّه، الصديق الذي أعادني لذاتي وخالقي”
هكذا تقول السيدة آمال برناز وهي سيدة متعافية من السرطان الوردي وهي زوجةٌ وأمٌ لأربعة أولاد.
تسرد السيدة آمال تفاصيل قصتها مع السرطان الوردي قائلة:
“البداية كانت عندما تحسّستُ كتلة غريبة تجتاح صدري، ولمعرفتي البسيطة بالعلامات التي ترافق هذا المرض؛ ارتعدتُ ليس خوفًا على نفسي فقط بل على عائلتي، وإلى ما ستؤول إليه الأمور. أتذكّر ليلتها كما لو كانت البارحة، انتابني شعور غريب بالقلق والحزن، ثم توجّهتُ صباحًا لطبيب مختصّ ليخبرني بعد الفحوصات، أن نتيجتي كانت إيجابيّة للورم”
“لا أنكّر أنني في البداية، كنتُ حزينة ومتخوّفة جدًا من العلاج ونجاحه، وهل حقا يمكن أن يمنحني هذا الضيف فرصة ثانية لأرى العالم بعيون (آمال) الجديدة؟!”

تتنهّد السيدة آمال وتبتسم بخفة، وتضيف:
“الرحلة لم تكن ممتعة على أيّ حال، ولكنها كانت بالنسبة ليّ أكبر درس، علّمتني كيف أتعرّف على نفسي وأعتني بها وأحبها وقرّبتني من الله أكثر، ولعائلتي وأصدقائي وفتحت لي آفاقا جديدة”
“لم أكن أعلم أنّ العلاج الكيميائي ينخر الروح قبل أن يحرق الجسد، تساقط شعر رأسي، الذي كنت أخفي تساقطه عن زوجي وأولادي؛ مازلت أتذكّر نظرة ابني عندما رآني بالصدفة دون شعر، وهو يحاول أن يخفي تأثره بمظهري الجديد أو آمال الجديدة.”
رحلة آمال رغم صعوبتها، إلا أنّها صنعت فارقا في حياتها وأعادت تشكيلها، ورتبت العالم من حولها. تقول:
“كنتُ بالكاد أعرف عن هذه الفئة من المصابين قبل أن أكون واحدة منهن. عرفتهن من خلالي ومن خلالهن، ساعدتهن في المضيّ قدمًا بالعلاج وقدّمنَ لي الدعم اللا-محدود، حتى أكملنا العلاج معا، بالكامل؛ قرّرتُ بعدها أن أكُمل مسيرتي الخاصة لدعم كل المصابين بالسرطان على اختلاف أنواعه، فأسّست منظمة أسميتها (خذ بيدي لدعم مرضى السرطان) كما أخذن هنّ بيدي وأخذتُ بأيديهن لنقدّم المساعدة لكلّ مصابة، حتى يكملن الرحلة وينتصرن كما انتصرت!”

خاتمة
الكشف المبكّر ينقذ الحياة، والدعم هو ركيزة العلاج والتوعية. وإلى كلّ من تحبّون من النسّاء الأصحّاء، قوموا بحثّهنّ على الكشف في هذا الشهر، أمّا المصابات؛ فاعلموا أنّ الدعم النفسيّ، وإعلامكم لهنّ أنّكم ستظلّون بجانبهم دائما، وألّا تشعروهم أنّ شيئا تغيّر؛ لا يقلّ أهميّة عن العلاج الكيميائي.
المَقالة قِمّة في الاحتراف وأضفَت على قساوة الموضوع نوعاً من الراحة وأمل الانتصار على هذا القاتل الصامت ..ونسأل الله العافيه للجميع والأخذ بسبل الوقايه منه وأن تزداد الجهود من وزارة الصحة والنقابات الطبيه في تذليل العقبات أمام الاطباء والمتطوعين في الكشف عن هذا الداء..بالتوفيق لكم.
عمليا تشخيص وتوعية المرضى والارشادات للكشف المبكر
ممتاز كمراكز ومنظمات خيرية
اما ماديا الدولة لم تقم برعاية المرضى كمصاريف الجرعات الباهضة فالاسعار للعلاج
جزاكم الله خيرا بإذن لله