يُشكّلنا الأهل، الأصدقاء، وحتى الأشخاص الذين نتابعهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بعدة طرق، وبأكثر مما نُدرك، بدء من الأفكار التي نتبنّاها، وحتى الصورة التي ننظر بها إلى أنفسنا.
وكوننا مخلوقات اجتماعية من الصعب أن تتطوّر في العزلة، فإنّ تأثير المحيط الواقعي والافتراضي علي مشاعرنا، وصورة جسدنا، لا يُشكّل أي غرابة…. فما هي صورة الجسد؟ وكيف نتأثر بها؟
تُعرّف صورة الجسد بأنها إدراك الفرد لجسده ومظهره الشخصي، وكيف ينظر له الآخرون في مجتمعه.
وأول من صاغ هذا المصطلح هو طبيب الأعصاب النمساوي “بول شيلدر” عام 1935 حيث أشار إلى الدور الكبير للمجتمع في تعزيز معايير جمالية قد لا تتوافق مع معايير الفرد، وتضعه تحت ضغط كبير، يجعله أقلّ شعورا بالرضا عن نفسه، وأكثر حاجة للسعي وراء أساليب غير صحية قد تودي بحياته.

يبدأ القلق حيال صورة الجسد مبكّرا عند البلوغ، وقد يستمرّ مدى الحياة
يُشكّل المراهقون الفئة الأكثر تأثّرا وقلقا، حيال أوزانهم وشكل أجسادهم. ويُعزى ذلك لعِدّة أسباب، تتمثل في الآتي:
أوّلا: أسباب فسيولوجية
تتأثّر أجسادنا خلال فترة البلوغ –التي تبدأ عادة ما بين 11 و 12 عاماً– بعدد من الهرمونات التي تلعب دوراً مهما في التطوّر الجسدي والعقلي والعاطفي للمراهق. مثل: هرمون الأستروجين عند الإناث وهرمون التِستوستيرون عند الذكور.
هذه الهرمونات، تعمل على تغيير وتشكيل أعضاء مختلفة من أجسادنا لا تقتصر فقط على تطوّر الأعضاء التناسلية، بل يمتدّ تأثيرها ليشمل الدماغ والعظام والبشرة، مُسببة تغييرات جسدية غير محبّبة، مثل:
- زيادة الوزن.
- زيادة التعرق.
- ظهور حَبّ الشباب.
- زيادة كثافة شعر الجسد.
كلّ هذه التغييرات –تحت ظروف غذائية متساوية– تعدّ أمرا طبيعيا، وقد تختلف من فرد إلى آخر؛ فمنهم من يعاني زيادة أكبر في الوزن أو حَبّ شباب أكثر، وهذا يعود في الأساس لأسباب أخرى متعلقة بالتركيبة الجينية والظروف البيئية التي يعيش فيها المراهق.
ثانيا: أسباب نفسيّة
يُسبّب التحوّل المفاجئء في المظهر، إضافة إلى التغيّر في المستوى العاطفي والجنسي؛ عبء على المراهق.
ووفقا لدراسة قام بها علماء من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة، بعد تجربتهم حقن إناث الفئران بهرمونات البلوغ، لمحاكاة تأثير هذه الهرمونات؛ وجدوا تغييرا ملحوظاً على التوصيلات العصبية في القشرة المخّية الأمامية للفئران بعد تعرّضها للحقن.
وهذه القشرة هي المسؤولة عن الإدراك واكتساب الخبرات النفسية والاجتماعية. وبسبب هذه التغييرات يمكن أن تعاني المراهقون من صعوبات في تقبّل صورة أجسادهم، فتقل ثقتهم بأنفسهم وتتغير ردّات فعلهم اتجاه المجتمع.
ثالثا: أسباب اجتماعيّة
مع تطوّر التكنولوجيا وزيادة انفتاح العالم على بعضه البعض، وامتلاك معظم المراهقين هواتف ذكية، تُسهل الوصول إلى عدد أكبر من مواقع التواصل وحسابات المشاهير والمؤثرين؛ لم يعد ضغط المجتمع مقتصرا على الأفراد المحيطين بنا أو الذين نقابلهم يومياً.
إنما امتدّ الضغط ليشمل أفرادا أكثر، يؤثّرون بشكل مباشر وغير مباشر على الطريقة التي نأكل بها، نمارس بها نشاطاتنا، وحتى الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا، من خلال مقارنتها بما يُروّج له بأنه “الصورة المثالية للجمال والجاذبية.“
كما أنّ هذه المواقع، ومع التطور الكبير الذي شهدته مُؤخراً، أصبحت تنشر إعلاناتها بصور أكثر جاذبية ومحتوى رقمي يجعل المتابع أكثر تفاعلاً معها وتأثراً بها.

ما الضرر في أن أبدو مثل الأشخاص الذين تروّج لهم مواقع التواصل؟
يُصاحب الضغط المتواصل للصورة المثالية التي تروّج لها مواقع التواصل، عدد من الاضطرابات الغذائية والسلوكية، حيث توجد علاقة مباشرة بين التعرّض اليومي لصور تروّج لأجساد مثالية وعدم الرّضا عن أجسادنا، وزيادة الاضطرابات. ومنها: اضطرابات الطعام، واضطراب تشوّه صورة الجسد.
- اضطرابات الطعام
وتُعرّف على أنها أمراض تتصف بعادات أكل غير منتظمة وغير صحية تزداد بفعل إدمان منصّات التواصل الاجتماعي التي تدعم برامج تحديد كميات الطعام وتروّج لتطبيقات النحافة والحِميات، وتتمثل هذه الاضطرابات في 3 مظاهر رئيسة:
- فقدان الشهية العصابي أو الأنوروكسيا/Anorexia: وهو الأكثر شيوعا وانتشاراً بين المراهقات، حيث تعاني المصابة به هوسا من زيادة الوزن. يعود ذلك إلى إدراك مشوّه لصورة جسدها، حيث تتصوّر نفسها أكثر بدانة من الواقع، فتحدّ بذلك من كمية الطعام التي تستهلكها بغية إنقاص وزنها.
- الشره المرضي العصبي أو البوليميا/Bulimia: تميل المصابة بهذا النوع من الاضطراب إلى استهلاك كميات كبيرة من الطعام خلال مدة قصيرة، ومن ثم العمد إلى التخلّص منه عن طريق التقيؤ أو تناول المليّنات والإفراط في ممارسة الرياضة. ويتم ذلك غالباً في السر، فيُصاحب الاضطراب شعورٌ بالعار وفقدان السيطرة، إضافة إلى الآثار السلبية للتقيؤ المستمر المتمثلة في تآكل الأسنان، اختلال توازن أملاح الجسم، الجفاف ونقص البوتاسيوم المسبب لاضطراب ضربات القلب، التهاب المريء وحتى تمزّقه، واضطرابات هرمونية ونفسية أخرى.
- اضطراب نهم الطعام – Binge eating: على عكس النوع السابق، فإن أصحاب هذا النوع من الاضطراب يعمدون إلى تناول كمية كبيرة من الطعام دون محاولة التخلص منها، لذلك عادة ما يعانون سمنة مفرطة.
أو ما يُعرف برهاب التشوّه “دسمورفوفوبيا – Dysmorphophobia“. وهو أحد أشكال الاضطرابات النفسية الذي تصنّفه “المؤسسة الدولية لأمراض اضطرابات الوسواس القهري” على أنه “مرض عقلي“.
من سِمات هذا الاضطراب الأساسية هي عدم الرضا عن المظهر الجسمي، وينشغل المصاب به اِنشغالا حادّاً بعيب بسيط –قد يتوّهم وجوده– في مظهره، ما يسبّب خللاً كبيراً في حياته، يدفعه للخضوع إلى عدد من الطرق لتعديلها أو إخفائها؛ كالعمليات التجميلية، والتي قد تعطي نتائج غير مُرضية، ولها تأثير سلبي على الصحة.

“لا حقيقة ثابتة في الصحف إلا صفحة الوفيات” – نجيب محفوظ
ما يقوله الأديب النوبليّ محفوظ لا ينطبق فقط على الصحف بل يمتدّ ليشمل منصّات التواصل الاجتماعي المختلفة. والشيء الذي لا تُخبرك به هذه المواقع، هو أن لكلٍّ مِنّا جسد مختلف، يختلف تبعاً لعدّة أسباب، قد لا تكون قابلة للتغيير؛ مثل التركيب الجيني والعرقي.
وهذا التنوّع هو ما يُعطي للبشر شكلاً مميزاً وفريداً، لكن ما تفعله هذه المواقع، هو وضع نموذج موحّد للجمال، لا يمكن بأي حال من الأحوال، وصول جميع البشر له دون إلحاق الضرر بأنفسهم.
وما يجب فهمه في الختام، هو أن صورة جسدك لا تعبّر بالضرورة عن حقيقتك، فأنت في النهاية لست جسدك، والهدف من التغذية السليمة والرياضة هو الحصول على جسد صحي متوازن يدعم صحتك العقلية والنفسية، ولا يعني ذلك أن يوافق الصورة التي تم الترويج لها.
وللإختلاف البشري جمال لا يراه إلا من بلغ به الرضا عنان القناعة، فكذلك الجانب الأخر المظلم من هذه الزاوية أود أن أذكر الفئة التي يرون أنفسهم دائما أجمل من غيرهم ويصل بهم الغرور حد التنمر على أجساد الأخرين، ينبهنا هذا أن نحترم ذواتنا بمقياس وللمحيطين كذلك.
افضل شىء ان نعيش الحياة صافية كما خلقها وارادها الله بعقول افهم
واجسام اصح ومع صحة الاجسام وصفاء العقول آمال اوسع
مقال ممتاز👌🏼