الشاطئ من أماكن التنزه القليلة هنا في ليبيا، يزيد حبنا للشاطئ ليس لقلة البدائل وحسب، بل مع الحرب وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة صيفا، فيصبح البحر ملاذنا الأخير في طرابلس وغيرها، ليس فقط للسباحة بل ربما للجلوس والتأمّل، للتنزه، للقاء الأصدقاء والأكل والمرح معهم. ولكن – للأسف – حتى الشاطئ لم يعد كما كان.
تعاني بعض أماكن الاصطياف في طرابلس من تلوّثٍ يمكن معاينته بالحواس المجرّدة، فرائحة مياه الصرف ظاهرة في بعضها، ولون المياه المتسرّبة من أنابيب الصرف للبحر أكثر قتامةً من إخفائه، كما يوجد من النفايات ما لا يخطر على البال.

يعود أوّل مصدريْن لتصريف مياه الصرف الصحي من طرابلس إلى البحر إلى سبعينيات القرن الماضي، وهما بالنادي البحرى بطريق الشط وفي قرقارش، ولا زال كلاهما يتدفّق حتى اليوم.
يقول الدكتور ضو حدّود كبير الباحثين بمركز بحوث الأحياء البحريّة بتاجورا إنّ “عدد مصادر صرف المياه في العاصمة وصل حالياً لنحو 37 موقعاً من سيدى بنّور إلى جنزور”.
تلجأ الدول الساحليّة في تعاملها مع مياه الصّرف الصحي لمحطّات معالجة ساحليّة، كانت ليبيا تمتلك منها بداية الثمانينات “لكنها لم تعد تعمل بجهدها الكامل، كما لم تستمر عمليّات الربط للمناطق المخطّطة، ولم تخضع لأيّ تطوير يتناسب مع تزايد الضغط” يقول الدكتور حدّود.
تعدّ مياه الصرف الصحي أحد أهمّ التحديات التي تواجه المدن، خاصة مع ازدياد الضغط الحضري والاستهلاك البشري. وتتجه سياسات الدول إلى معالجتها بأقلّ ضرر ممكن على السلاسل الغذائية وصحة السكان، إذ تسرّب مياه الصرف الصحّي يشكل خطراً بنقل أمراض ذات صلة بمصادر المياه، مثل: الإسهال والديدان المعوية وأمراض أخرى ربما غير معروفة، حسب تحذيرات منظمة الصحة العالمية.
يسكن نحو 80% من سكان ليبيا في المناطق الساحلية، وفي طرابلس على سبيل المثال، ازداد عدد السكّان فيها إلى نحو الضعف خلال السنوات الخمس الماضية؛ نتيجة موجات النزوح من مدنٍ أخرى، والنزوح بين مناطقها. وازداد الضغط السكّاني على السواحل دون أن يترافق ذلك تطوير أنظمة معالجة الصرف الصحي.
كلفة التلوث من صحتنا
تقول منظمة الصحة العالمية إن حماية الصحة العامة، هي الغرض الأساسي من تدخّلات المعالجة، وتوصي بضرورة تبنّى تحسيناتٍ على أنظمة الصرف بالدول، بناء على فهم المخاطر لتفادي تأثيرها على السلاسل الغذائية وصحة السكان.
ووُضعت العديد من الاتفاقيات الدولية لضمان انخراط الدول في حماية الثروات البحريّة المحليّة أو المشتركة، كان من أهمّها اتفاقية برشلونة عام 1976 لحماية البحر المتوسط التي تنصّ على عدم إلقاء المخلفات والصرف الصحي في البحر وهدفها ضمان استدامة الموارد البحرية بحمايتها من مصادر الخطر، وقد انضمّت ليبيا لها قبل سنوات.
هنا يقول الدكتور حدّود من مركز البحوث البحرية: “إن انضمام البلاد للمعاهدة لم يترافق بالالتزام بما نصّت عليه من عدم رمي المخلفات في البحر” ويضيف: “إنّ التأثير الأكبر للتلوّث يحدث خلال فترة ضخّ الآبار السوداء المحاذية للبحر في مناطق مثل تاجوراء والشط ومستشفى القلب“
إلى جانب تأثير التلوث على السلاسل الغذائية للسمك والحياة البحرية، التي تشكل جزءاً مهمًّا من الحماية الغذائية لسكّان حوض المتوسط ومنهم ليبيا.
وتقول الدراسات العلمية إنّ أحد أخطر أنواع التلوّث، الناتج عن مخلفات المعادن الثقيلة كالزئبق والزنك. فهذه تضرّ بالأسماك والقشريات لدى وصولها البحر مع مياه الصرف وتصيب الإنسان بأمراض مستعصية.
أين يسبح الليبيون؟
من بين أكثر الشواطئ ازدحاما بالعاصمة؛ المتنزهات القريبة من برج بوليلة، والمحاذية لمطار معيتيقة بضاحية سوق الجمعة، وشواطئ تاجورا، وقبالة قصر الملك بطريق الشط، وجميعها ضمن المناطق الملوثة لقرب أنابيب تصريف المياه العادمة، فلماذا يلجأ لها السكان إذا؟!
البدائل محدودة، خاصة في ظروف اقتصادية واجتماعية كالتي تمر بها البلاد؛ تقول أم محمد وهي انتقلت إلى طرابلس قبل بضع سنوات:
إنها وعائلتها يفضّلون الشواطئ القريبة من وسط المدينة، رغم علمهم بتلوّثها؛ لقربها من سكنهم وسهولة الوصول لها دون قلق من أي مستجدات أمنية، ولعدم استهلاك بنزين، مع تكرّر أزمات مشاكل المحروقات التي تفرض على المواطنين تجنب التنقل لمسافات طويلة.
“باهي وين يبونا نمشو.. ميّة مجاري عارفينها ما نعوموش فيها..الله غالب الواحد بيشمّ هوا بيطلع، وكل شي بدي بالفلوس”
كانت أم محمد مع زوجها وأولادها تقصد شواطئ تاجورا، ثم بعد تعرض أحد المصايف لقذيفة تسببت في جرحى وقتلى صار زوجها لا يفضّل الذهاب للشواطئ في أطراف المدينة.
ورغم التلوّث العالي، ترتفع أسعار الجلوس أمام البحرارتفاعاً دراميتيكا من 10 و 15 دينارا قبل بضع سنوات إلى 80 ديناراً وأكثر، ويُجبَر الراغب في الدخول على دفع ثمن كرسيّ بلاستيكي على الأقل، أي ما لا يقلّ عن 25 ديناراً لشخصين،
“الميّا والضي تحمّلنا.. لما غلّوا علينا سوم العِشّة عالبحر؛ كأنّهم قطعو علينا الهوا” تقول أم محمد.
تُدار أغلب المصايف لجهات خاصّة، بعضها غير معروف، ولا تخضع لتنظيم حكومي لطرق تخلّصها من المخلّفات، أو جودة خدماتها؛ باستثناء قرى سياحية محدودة الأسر، كالتي في مُدُن غنيمة (110كم شرق طرابلس) والقره بوللي (65كم شرق طرابلس) وتِلّيل (88كم غرب طرابلس) تقدّم خدمات جيّدة مقابل كلفة عالية إذا ما قورنت بمتوسّط دخل الأسر.
ماذا لو اتجه الناس في أيام عطلهم إلى شواطئ جديدة أكثر نظافة وأمانا؟
يتعامل البعض مع البحر كأنه سلة نفاياتنا التي تقبل كلّ شيء، وتثبت هذا طبيعة المخلّفات المُلقاة على السواحل، وفي المتنزهات، وما توثّقه عدسات الكاميرات والجمعيّات الأهلية وحملات النظافة.
شوقي غطاسٌ وبحار في طرابلس، يغوص في البحر منذ ما لا يقلّ عن 8 سنوات، يروي غرابة البحر من أسفل؛ فيرى:
“أشكالا غريبة من النفايات غير المتحلّلة لاسيما البلاستيكية؛ ألعاب وإطارات، صور قديمة وفردة حذاء، ونعل منزلي، ومخلّفات إعداد المبكبكة من صحون وأوانٍ وعلب، وكرات وألعاب، وحفاظات أطفال، وآلاف القِنّينات والأكياس البلاستيكية”
لا يعاني البحر فقط من غياب سياسات الدولة في تطوير معالجة آمنة لمياه الصرف، بل من سلوك بعض زوّار البحر الذي سيؤدّي اتجاههم لمناطق سباحة جديدة، إلى توسيع خطر التلوث لأماكن جديدة، خاصة مع غياب التخطيط الحكومي والرقابة.
معا لشواطئ مستدامة
تقدّم جمعيّاتٌ محلية في ظل ضعف دور السلطات المحلية؛ حلولاً وإن كانت جزئية، لمشاكل التلوث وغيرها.
الجمعية الليبيّة لعلوم البحار يعمل متطوّعوها منذ 2002 على برامج تدعم استدامة الشواطئ؛ أيّ الحدّ من تلوّثها وضمان استثمارها كموردٍ هامٍ، ليس للسياحة البحرية وحسب؛ بل مورداً مؤهلاً لتوفير سبل عيش للسكّان ودخلاً وطنيا مستداما.
بادرت “علوم البحار” انطلاقاً من مؤشرات التلوّث العديدة؛ بمشروع “معا لشواطئ مستدامة“. يقول أحد المتطوعين فيه إن المشروع يهدف لتوثيق ودراسة تضرر الحياة البحرية شرقي طرابلس ورفع وعي السكان المحليّين بمفهوم الاستدامة لإشراك الجميع في حماية بحرهم وبيئتهم، بعد إدراكهم أنّ البحر قادرٌ على جلب دخل وقوتٍ لهم، وأن استدامته ونظافته من استدامة صحتهم وسلامتهم.
شواطئنا الطويلة الملساء غير الصخرية، والثروة البحرية، والطقس المتوسطي، يقطع الناس أميالا للتمتّع بشمسه وحرارته ورطوبته، إن فقدنا أشياء أخرى؛ تظلّ الجغرافيا والطبيعة آخر ثرواتنا.. فهل ننجحُ في إدارتها؟
الله غالب مفيش دولة تهتم اوتعمر همهم الفلوس وخلاص والبحر ملاذنا الوحيد للترفيه في الجو الساخن
مانقولو الا حسبنا الله ونعم الوكيل
كل الاحترام لأخت الرجال نجوى وهيبة بنت الاجواد
الدولة والمسؤولون غير مهتمون بالأمور البيئية وكل همهم المناصب وبس أما ملاذنا وجهتنا الوحيدة للترفيه فلا من يحسن إدارتها ولا من يهتم بها
حسبنا الله ونعم الوكيل
ماهي المشاكل التي تمنع الدوله منذ 2002 من معالجة مياه الصرف وهل يمكن السباحه بعد معالجة مياه الصرف ام لا
ماحلاها صديقتي نجوى مقال معبر عما نريد أن نقوله
تلوث تشعر به بحواسك المجردة فعلا وانا شهدت ذلك بالتوفيق
على الدولة ان تهتم بالقطاع السياحي وتدعمه ماليا فدعمه يوفر الكثير من فرص العمل للشباب والبيوت الليبية بدعم السياحه تنظاف الشواطئ والمنتزهات وباهمال السياحة تهمل الدولة ويطغى عليها الارهاب البيئي (القمامه).