article comment count is: 0

ليس بالسلاح وحده يحيا الإنسان

أنا شخصياً من أشد المبغضين للالتجاء للسلاح لتحقيق النصر، أو قهر الخصم أو حتى تغيير الواقع بشعار ( للأفضل ) وما يشابهه.

نشأت في بيئة تحترم الجهد العلمي وحلم تحقيق الذات بالمعرفة، ولم يطاوعني قلبي يوماً للتعدي بالعنف على أحد، حتى في حالات مشروعية القصاص، ولو كان ذلك بالذراع المجرد. ولا أبرئ نفسي من التعنيف اللفظي أحياناً، لكن كان ذلك يتبعه الندم بالضرورة.. مؤمن بالإنسان كائناً يعيش بالسلم لتعمير محيطه ويتواصل مع الموجودات والآخرين للتعاضد في ظروف الرخاء والشدة، ولا أؤمن بأفكار التكفير والمصادرة، ولكن لي رأيي النقدي البسيط تجاه الحياة والأحياء، والذي كونته ببعض الخبرة والاطلاع وبالاستناد إلى أفكار المستنيرين من أي بلاد وثقافة. دليلي السماحة البشرية، والإبداع الجمالي دمي وأنفاسي، وسأظل لكل ذلك وفياً.

لخطير أن جيلاً كاملاً نشأ على واقع السلاح والإيمان بالقوة والمغالبة، مما سيعطل الوطن عن السير نحو مشروع غد ملائم يقوم على الأخوة والمشاركة”- صالح قادربوه

وعليه، كنت طوال 2011 خارج مشروع الانتفاضة  المسلحة وجدانياً، وبالطبع لم أشارك فيها ببدني. أتألم للقتلى من الطرفين ذوي الأصل الواحد، وأتبرأ من ثقافة الدم وهيجان الحشود الأعمى والجنون الذي يرتدي ثوب البناء، حتى أفرَط َفي توسعة القبور وتشييد المعسكرات وهدم الجذل البريء وربما الواعي بالانتقال من نظام الخط الواحد المستهتر الجلف إلى نظام الخطوط التي لا بداية تنطلق منها ولا نهاية تخطط للوصول لها، اللهم إلا انهيار مشروع ليبيا الجديدة، ودولة العدالة وحرية الرأي والتناوب، لمصلحة الظلام بأقنعته المتعددة. أعتنق الدين الذي جاء في مبادئه بتعاليم نبيه الرحيم ( أن يسلم الناس كلهم من أذاك )، وروحي يتنازعها يونس ابن متى والمسيح، البشريّ اليائس والبشريّ الصافح، فآثرت أن أكون المظلوم لا أن أكون الظالم أو الغاشم. وعلى هذا الحال واصلت العيش بمراراته وحلاوته، بمبدأ سواسية الناس والتمسك بالمحبة حتى إن كان في ثناياها خسارة التميز وعدم حصد المكاسب المصلحية، غير أني لست ملاكاً، بل أنا واحد ضئيل من البشر  ولي أخطائي، لكنها ضمن إرثي الذي لا أنكره ولا أخجل به.

على يقين أن نظام القذافي كان فاشلاً ومكلفاً وهمجياً وفاسداً، ومن جاء بعده أسس لفكرة الفشل والفساد جزءاً أصيلاً من أي نظام، مع بعض النوايا الطيبة هنا وهناك التي لا يهتم لها الكثير ولا يعيرونها احتراماً أو قبولاً.. لكن الخطير أن جيلاً كاملاً نشأ على واقع السلاح والإيمان بالقوة والمغالبة، مما سيعطل الوطن عن السير نحو مشروع غد ملائم يقوم على الأخوة والمشاركة، وهنا سيبرز بإلحاح دور العمل الثقافي الذي يضطلع بمهمة الشغل على الجيل الليبي الحالي والقادم للتوعية بفحوى الحياة وأهميتها واشتراطاتها بدلاً عن الحرب وضرورة القتل والقهر لإنفاذ الرأي وتثبيت التوجه الفكري والتصور المثال والنمط الفذ، وإلا كان للإرهاب الذي يعمل على تأسيس دولة باللجوء لأدوات العنف دون غيرها مشروعيته، وهذا بالطبع يخالف فكرة الإنسان والمجتمع، والإنسانية والاستقرار المجتمعي، ويحطم صورة الوطن ويطعن الأمة في مقتل.

وليست الثقافة هنا برامج حكومية فقط بل ينبغي أن تكون رحبة ومديدة وداخل التكوينات وضمن الأنشطة اليومية أيضاً، في الكل وفي التفاصيل، مع دور الاستراتيجيات التربوية لكن دون الهيمنة والتلقين، اقتراباً من الإبداع الفردي والإنجازات الجماعية خياراً لتغيير جملة الأنماط السلوكية واستناداً إلى المعرفة أرضية وسقفاً، ومكافحة تطرف القوة بالاعتدال القائم على التواصل والنقاش والتفاعل والتلاقح واصطفاف الرؤى وفتح المعبر أمام الطموح، وهو ليس حلماً وتخيلات بل ذلك أصيل في النفس والعقل، والعمل الأصح سيكون للتنقيب عنه داخلهما قبل أن يعمي دخان البارود النظر نحو الأفق، وقبل أن ينطفئ تماماً سراج الأمل بحياة تليق بالليبيين وبليبيا البهية رغم مشهد الجثث والخراب.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

Tell us what you think