نحن الآن (09 ديسمبر) في اليوم ما قبل الأخير من حملة #سادنا_عنف والتي يقودها مشروع هنا ليبيا بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكّان بليبيا – UNFPA وشركائه المحليّين، وذلك بالتوازي مع الحملة الدوليّة السنويّة 16 يوما من النشاط لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، والتي تقام في الفترة من 25 نوفمبر وحتى 10 ديسمبر من كل عام.
ومنذ بداية حملة #سادنا_عنف ومشروع هنا ليبيا، يقوم بالنشر اليومي المنوّع والدقيق على منصّته الخاصّة وحساباته على منصّات التواصل الاجتماعي الأخرى كالفايسبوك، تويتر، ويوتيوب، سواء المقالات التوعويّة والمنشورات التفاعليّة، والتقارير الصحفيّة، والكوميكس، أو لقاءات الخبراء والقانونيّين والمختصّين النفسيّين، إضافة إلى مساحة مفتوحة لقصص الضحايا والناجين.
في هذا التقرير، سنقوم بعرضٍ عامّ لنشاطات هذه الحملة، محاولين استخلاص أبرز النتائج والتوصيات. ثمّ سنختمه ببعض الاستدركات الحقوقية لبعض المواد القانونيّة التي نصّها المشرّع الليبيّ.
مساهمات وتفاعلات
بعد إطلاق مشروع هنا ليبيا عبر صفحاته علي منصّات التواصل الاجتماعي، الهاشتاق والفلتر فريم الخاصّ بالحملة، والذي تمّ تداولها بشكل جيّد بين الأفراد المهتمّين والمؤسّسات غير الحكومية ذات العلاقة؛ خصوصا الشركاء، ابتدأت الحملة رسميّا، وبدأ موقع المشروع، بنشر مساهماته بشكل يوميّ تقريبا دون انقطاع.
كانت المساهمات تتناول قضيّة العنف القائم على النوع الاجتماعي من العام كالمصطلح والقضيّة والأشكال والأنواع، إلى الخاص وهي العنف الأسري – زاوية معالجة القضيّة هذا العام – بكافة أنواعه وأشكاله وممارساته.
تضمّنت مساهمات الموقع، حتى الآن: مقال رأي واحد، وتقريريْ استبيان، و2 كوميك، و3 فيديو، و4 تقارير صحفيّة، وتقريرا لمنظمة دوليّة. والملاحظ في هذه المساهمات أنّها تنوّعت موضوعا وتدرّجت طرحا، واختلفت قالبا. كما أنّها شهدت غلبة لمساهمات الإناث على الذكور، بمعدّل 4:3 لصالح الإناث.
أمّا عن مساهمات المشروع عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعيّ، المميّزة بمنشوراتها وإدارتها؛ فقد تميّزت بتصميمات فنيّة عالية مرافقة للمنشورات، وأسئلة تفاعليّة ذكيّة لقضايا الحملة، وعرض مستمرّ متدرّج لمساهمات الموقع. وقد لقيت بعض المنشورات تفاعلا كبيرا دون غيرها، قد يكون السّبب متعلقا بالقالب (الفيديو والكوميك) أو بتوقيت النشر أو غير ذلك.
ومن أبرز المساهمات المستقلّة لحسابات المنصّة على مواقع التواصل الاجتماعي، كانت سلسلة (لستُ مجرّد قصّة) والتي نُشِر منها حتى الآن 4 قصص من أصل 5. تسرد هذه السلسلة قصصا واقعيّة حدثت في ليبيا عن ضحايا وناجين من العنف الأسري. وقد تميّزت هذه السلسلة بلغة سرديّة عالية، وصور مرافقة معبّرة، كما لاقت تفاعلا كبيرا من المتابعين.
نتائج وتوصيات حملة #سادنا_عنف
- المساهمة في رفع الوعي بمصطلح العنف القائم على النوع الاجتماعيّ، ومحاولة توضيح مفهومه وأنواعه وقضاياه. وفروقات مصطلح النوع الاجتماعي عن الجنس. ومع ذلك، لا يزال مصطلح النوع الاجتماعي غير واضح المعالم، وبحاجة إلى إعادة تأصيل لغوي وتوضيح مفهوميّ، كما أشار إلى ذلك مقال (العنف القائم على النوع الاجتماعي، أشكاله ومعناه).
- جمع بيانات أكثر من 2500 مشارك في استبيان خاصّ بالعنف القائم على النوع الاجتماعي، والذي نشرت نتائجه في تقريرين (التقرير الأوّل – التقرير الثاني). والذي أظهر اهتماما كبيرا لفئة الشباب (18-25) بهذه القضيّة، كما أظهرت نتائج الاستبيان وعيا للمشاركين بأهمية الصحّة النفسيّة. ومع ذلك، لا تزال هذه البيانات بحاجة إلى مزيدٍ من التحليل، ولا يكفيها تقريران.
- فضح بعض الممارسات التقليديّة الضارّة والتجاوزات الحقوقيّة في مجتمعنا الليبيّ، والتي تمنع الكثير من النساء من الشكوى لمراكز الشرطة أو الاستعانة بمحاميّين؛ فحتى إن اشتكت الضحيّة فإنّه غالبا ما تُسحب، ويتنازل عنها قبل وصولها للنيابة أو المحكمة (تقرير: بيت العيلة).
- التعريف بدور صندوق الأمم المتحدة للسكان في ليبيا، وخدماته، كتوفيره الرعاية التوليدية الطارئة والدعم النفسي والاجتماعي، وتوزيعه مجموعات الصحّة الإنجابيّة المتخصّصة والحقائب النسائية، وغير ذلك ممّا ذكر في تقرير المنظمة المعدّ خصيصا للنشر على منصّة هنا ليبيا ضمن الحملة.
- توضيح أنواع العنف الأسري المختلفة، والتعريف بها وبأشكالها، خصوصا تلك الأنواع الخفيّة، التي لا يعي المجتمع ضررها، أو يعرضها كأنها امتياز لنوع اجتماعيّ معيّن أو فئة. كالعنف النفسي (تقرير: بيوت باردة) والعنف الاقتصادي (تقرير: إما معلمة أو طبيبة) وغيرها.
- إطلاق الخط الساخن المجّانيّ للدعم النفسي والاجتماعي (1417) لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي، بكافة أنواعه وأشكاله، وأُطُره، والذي يُشرف عليه خبراءٌ ومحترفون، مع ضمان تامّ للسريّة والخصوصيّة.
- المساهمة في تسليط الضوء علي الكثير من القضايا المسكوت عنها، والتي يتغاضى عنها المجتمع ويتساهل فيها القانون. مثل عنف الزوج، الزواج الإجباري، زواج القاصرات وغيرها.
مناقشات وتوصيات قانونيّة
من الضّروريّ معرفة، أنّ المشرّع الليبيّ لم يغفل عن قضايا العنف، في عموم الفعل (العنف بصفة عامّة) أو خصوص الإطار (الإطار العائلي) وذلك في موادّه المتعلقة بقانون العقوبات الليبيّ.
إذ أقرّ المشرّعُ في موادّ واضحة وصريحة عقوباتٍ رادعةٍ لأيّ فعلٍ من أفعال الإيذاء، كالضرب (المادّة 374) والإيذاء البسيط (المادّة 378، والمادّة 379) والإيذاء الجسيم (المادّة 380) والإيذاء الخطير (المادّة 381) وإساءة معاملة أفراد الأسرة (المادّة 398)، وغيرها.
كما أنّ المشرّع لم يغفل عن تلك الجرائم المرتكبة في إطار الأسرة، سواء ضد الفروع (الأبناء) أو ضد الأصول (الأب والأم والجد والجدة) من المواد 379 – 380 – 381 حيث جعلها من الظروف المشدّدة الذي تزيد العقوبة فيها بمقدار لا يُجاوز النصف (مادة 382 عقوبات ليبي).
وقد تضمّنت هذه العقوبات السجن (تتفاوت بتفاوت درجة الإيذاء) أو الغرامة. إلّا أنّ هناك مشكلتان كبيرتان في هذه القوانين المتعلقة بأفعال الإيذاء:
الأولي: لم يُولِ المشرّع الليبيّ أهميّة للضرر النفسيّ، حيث أنّ المشرّع يقرُنُ الجناية بالضرر الواضح والمثبت. رغم فداحة تأثير العنف النفسيّ على الفرد، كما أشارت إلى ذلك تقريرات منصّة هنا ليبيا، واستنتاجات حملة #سادنا_عنف. ومن الضّروريّ أن يأخذ المشرّع في الاعتبار الضرر النفسيّ، ويضع له معايير علميّة بالتعاون مع الاختصاصيّين النفسيّين، كما يضع له عقوبات رادعة.
الثانية: رغم شموليّة موادّ قانون العقوبات الليبيّ في حصر أفعال الإيذاء ووصفها ودرجتها؛ إلا أنّ إحدى عقوبات هذه الأفعال، كانت خارجة عن الزمن، وليست رادعة حقا. وهي الغرامة.
حيث أنّ قيمة الغرامة في المواد سالفة الذكر، تمّ وضعها في أزمان قديمة، أيّام كانت العملة جنيها، وكان متوسط راتب الفرد جنيهان. ما يجعل قيمتها وفق قيمة العملة الليبيّة اليوم؛ متدنّية جدا وتكاد تكون رمزية.
فعلى سبيل المثال. جاء في عقوبة الإيذاء الجسيم وهو الذي يعرّض المجني عليه لعجز كامل (ويتضمّن أيضا إيذاء نجم عنه إسقاط جنين) أنّ الغرامة لا تتجاوز 100 جنيه !. ومن المضحك المبكي أنّ عقوبة سائق مركبة آليّة (سيّارة) دون لوحات معدنيّة في قانون العقوبات الليبيّ، أشدّ غرامة من العقوبة عن الإيذاء الجسيم الذي يترتّب عليه عجز المجني عليه عن أداء عمله!
وهذا يستلزم تجديد قانون العقوبات بوضع قيم حقيقيّة لهذه الغرامات تتماشى مع نوع ودرجة الإيذاء، ومرتبطة بالوضع الاقتصادي للفرد والمجتمع، في ليبيا اليوم.
أمّا على صعيد القوانين المتعلقة بالمرأة بشكل خاصّ؛ فإنّ المشرّع الليبيّ قد تساهلَ في بعض القوانين المتعلّقة بحقوق المرأة، مثل: زواج القاصرات، إذ سمح المشرّع زواج الفتاة دون البلوغ بشرط إذن وليّها (قانون 14 لسنة 2015). كما قام في القانون نفسه، بتعديل سنّ البلوغ من 20 عاما إلى 18 عاما.
وبهذا القانون، سمح المشرّع الليبيّ ضمنيّا، بزواج القاصرات (وهم من دون السنّ القانونيّة) رغم تناقض قانون 14/2015 ومنافاته لما جاءت به المادة 8 من قانون رقم 10 لسنة 1984 بشأن الأحكام الخاصّة بالزواج والطلاق وآثارهما، حيث نصت “لا يجوز للوليّ أن يجبر الفتى أو الفتاة على الزواج، رغم إرادتها”.
بل إنّ إرغامَ الوليّ لمن هم في ولايته من ذكر أو أنثى، على الزواج، نوعٌ من أنواع العنف القائم على النوع الاجتماعيّ، لأنّه إساءةُ استعمالٍ للسلطة الأبوية، وأيضا يُعاقب عليه القانون الليبيّ كما جاء في المادّة 398 سالفة الذكر. وهذا أمرٌ يجب أن يتنبّه له القانونيّون، ويضعوا له حلا جذريا.
من الأمثلة الأخرى، على القوانين الليبيّة الظالمة للمرأة، قانون زواج المغتصب من الضحيّة (المجنيّ عليها). بمعنى تزويج الضحيّة لمغتصبها؛ فقد نصّت عليه المادة 424 من قانون العقوبات الليبيّ بقولها “إذا عقد الفاعل زواجه على المُعتدى عليها؛ تسقط الجريمة والعقوبة وتنتهي الآثار الجنائية سواء بالنسبة للفاعل أو للشركاء”
وبهذا أضاف المشرّع الليبيّ، جريمة إضافيّة للمرأة بعد اغتصابها والاعتداء عليها؛ بتزويجها من مغتصبها. وهذا ظلم صارخ وباب نجاة للذئاب البشريّة.
خاتمة
في عصر الإنترنت أصبح للحملات تأثيرا أكبر وأهمية أعظم؛ إذ يُمكن بواسطتها توعية الناس وقيادة الرأي العام. حملة #سادنا_عنف رغم قصر مدّتها، كانت مثالا حيّا على ذلك. ولكنّ الحملات ما لم يُصاحبها متابعة وعمل، عادة ما ينتهي تأثيرها بانتهائها.
وعلى المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية النشطة في ليبيا، التأثير على صنّاع القرار في تعديل بعض القوانين بحيث تكون رادعة حقا (قيمة الغرامة عند الضرر مثالا) أو وضع تشريعات تحدّ من سيطرة العرف الغاشم وتسلّط العادات الظالمة، تلك التشريعات المُجحفة التي تفضحها مثل هذه الحملات الناجحة.
امنورين