يقول الكاتب الأسكتلندي توماس كارليل “ما نحتاج إليه حقا، المزيد من العطاء لمن هم في حاجة إلينا”. وحين يكون العطاء مُقترنا بمناسبة ما، يحتاج فيها النّاس لأبسط الأشياء؛ تكون قيمة العطاء أكبر.
والآن في شهر رمضان الكريم، والذي من أهمّ مقاصده الإحساس بما يمرّ به المحتاجون، وفي ظلّ الوباء الذي يجتاح العالم، والحرب التي تمر بها البلاد؛ وما نتج عن ذلك من ازدياد عدد الأسر المحتاجة والعمالة باليومية التي لم تعد تجد عملا تكسب به قوت يومها؛ تحرّك العديد من الناس في مختلف المدن في مبادرات خيرية ليبية لعلها تخفف وطأة ثقل الجوع والحزن على هؤلاء الناس.
من بين هذه الحملات حملة في مدينة طرابلس تحمل اسم “ليبيا الخير“. تكوّن فريق الحملة في البداية من أربعة شباب تجمعهم الصداقة، أتوا بفكرة مساعدة العائلات المحتاجة في رمضان؛ خاصّة في ظلّ النزوح الذي اضطرّ له العديد من الأسر، في ظل الحرب الأخيرة (أبريل 2019) الدائرة في طرابلس.
وحين جاءت جائحة كورونا وتمّ فرض حظر التجول في ليبيا؛ قرّر شباب “ليبيا الخير” أن تبدأ الحملة مبكّرا؛ حتى يُساعدوا الأسر المعتمدة على الدخل اليومي. وبذلك تمّ البدء في حملةٍ على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك، وتوسّع الفريق حتى تجاوز الخمسة عشر عضوا؛ جلّهم في عمر الشباب من الجنسين، وبدأوا عملهم.
أنشأ الفريق انموذجا إلكترونيا لحصر العائلات المحتاجة، كي يتمّ تكوين قاعدة بيانات لتحقيق أعلى درجة من الدقة، ولإمكانية الرجوع إلى القاعدة أيضا. كما يتمّ التواصل مع بعض العائلات الأخرى عبر الهاتف، وأخذ بياناتهم وتعبئتها في القاعدة، ووصل عدد العائلات لأكثر من 80 عائلة.

وفي مقابلة أُجريت مع عدد من أعضاء الفريق، قالوا: إنّهم في البداية شرعوا بوضع صناديق في محلات تجارية كبيرة، وحين عُمِّمَ الحجر الصحي لفترات طويلة، ألغيت الصناديق واتخذوا طريقا آخر لجمع التبرعات.
هذه الطريقة، هي اتصال المتبرّع بأرقام الحملة ويذهب أعضاء الفريق للاستلام، ومن أجل المصداقية تمّ إعداد واصلات تُعطى للمتبرّع كي يتأكّد من أعضاء الفريق. وختموا كلامهم بقولهم: إنّ عملهم يتلخّص في رسالةٍ مفادها تقديم مساعدة للناس لمحاولة إحياء الروح الإيجابية والتعاون.
في مصراته، انطلقت حملة “منّا وفينا” تحت رعاية عدة مؤسّسات مجتمع مدني، في بادرة منها لجمع التبرّعات العينيّة والمادية لمساعدة الأسر المحتاجة والعمالة الوافدة في شهر رمضان المبارك.
يقول السيد خالد لعظيم عضو الحملة: إنّ جمع التبرعات يتم بطريقتين، الأولى وضع سلالٍ في الأسواق الكبيرة في المدينة، حيث يضع المتسوّقون الذين يودّون التبرع في هذه السلال تبرّعاتهم. والطريقة الثانية هي فتح أبواب “المقهى الثقافي” في المدينة لثلاث ساعات قبل أن تبدأ ساعات حظر التجوّل، ويستقبل شباب الحملة المتبرّعين وتبرّعاتهم.

أما في بنغازي؛ فيقول أحد منتسبي الهلال الأحمر هناك: إن المساعدات الخيرية المقدمة في الأزمات، أغلبها تكون من التبرّعات، إضافة للمصادر الأخرى مثل الهيئة الليبية للإغاثة؛ واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
كما أضاف أنّ العائلات يتم اختيارها من خلال قاعدة البيانات الخاصة بجمعية الهلال الأحمر في المدينة.
وعلى غرار الحملات والمبادرات الجماعيّة يقوم بعض الأفراد بمبادرات لوحدهم وعلى قدر استطاعتهم؛ حيث نشر بعض الشباب أسماءهم وأرقام هواتفهم عبر منصات التواصل الاجتماعي مع نصّ يقولون فيه إنّهم مستعدون لأخذ أي شيء من متبرع ما وتقديمه لمحتاج؛ أو حتى قضاء ما ترغب به الأسر التي تفتقد المُعيل أو وسيلة المواصلات اللازمة لقضاء حاجاتهم.
من بينهم السيد مالك الغويل (23 سنة) الذي قرأ تغريدة لصديق له من طرابلس على منصّة التويتر بعد فرض الحجر الصحي، يعرض فيها أن يأخذ أيّ شيء يمكن التبرّع به للعائلات النازحة أو العمالة الوافدة.
ففعل مالك الشيء ذاته في مصراته، وانتشرت تغريدته حتى على المنصّات الأخرى، وبدأ في استقبال المكالمات تباعا من المتبرّعين، سواء بالمواد العينية أو الأموال، وهو بدوره يوصلها.
يقول مالك: إنّ من بين المتصلين به، شبابٌ آخرون يودّون المساعدة في استلام المعونات من الناس وتسليمها للأسر النازحة والعمالة الوافدة في مقارّ سكنها.

وكما مرّ، فلا تقتصر “مبادرات خيرية ليبية” على العمل الجماعي والمؤسّسي فقط، فهناك أيضا المجهودات الفردية للأسر.
في مقابلة مع السيدة صفاء (27 سنة) قالت: إنّ حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم دائما في بالها، القائل:” أحَبُّ الناس إلى الله أنفعَهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل، سرورٌ تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحبُّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا”
وترى أنّ مساعدة الناس مساعدة لها هي قبلهم، حيث إنّ الإحساس الذي يتولّد بداخل الإنسان بعد مساعدته غيره؛ هو إحساس بالرضا عن الذات والفاعلية في المجتمع حتى ولو على نطاق بسيط، هذا عدا عن الأجر والثواب.
لذلك؛ صفاء وعائلتها أخذوا على عاتقهم التكفّل بإطعام جارة بيت جدّها التي لا معين لها وكانت تعمل باليوميّة، حيث قالت: “أنا لا أتكلف الكثير، آخذ من التموين الذي يجلبه أبي، القليل الذي يؤثر كثيرا في عائلتنا؛ بينما يسدّ رمق تلك الإنسانة المحتاجة”.
وتقول صفاء أيضا: “إن ما أسمعه من دعوات منها وابتسامتها الممتنّة تجاهي وتجاه أسرتي، شيء يسعدني للغاية، وما أجده من حب لنفسي مكلّلٌ بالرضا هو كل ما أرجوه وألقاه”.
مع دوران رحى الحرب الأخيرة في طرابلس، وجائحة كورونا، يبدو الشعب الليبي بأكمله في ظروف سيئة بدرجات متفاوتة، ومع ذلك يسعى الكثير من النّاس وضمن مبادرات خيرية ليبية جماعيّة وفرديّة؛ إلى مساعدة الذين هم في ظروف أسوأ منهم، حيث أن المحتاجين منّا وفينا، ولم ينقطع الخير عن ليبيا، ليبيا الخير دائما.
اختي الفاضلة خديجة الحسنة الوحيدة في هذا الوباء انه يجعل الانسان يعتكف في منزله حتى لايرى بعض الوجوه التي تقتل الانسان قتلا بطيئا
بارك الله فيكم ويرحم الله ولديك ويرزقك من اوسع الابواب
أهلا بك رمضان كريم