لا يخلو الشارع الليبي، بطبائع الأحوال، من “الدراما“. هذا حال الشوارع كافةً. وفتّش هنا عن الاصطلاح ودلالاته؛ الدراما بمعناها الواسع أو ما نحن بصدد مناقشته، دراما التلفزيون الليبي.
فإذا ما اتّفقنا بدايةً على استخدام الدراما بهذا الشكل ”الدراما الليبية“، نشهد أيضاً أن نشاطها حاضرٌ في شهر رمضان من كل عام. وهذا حال التلفزيونات في بلدان المنطقة كافةً.
المشاهدون الشباب، والمتفرجون منهم، يشكّلون على الأغلب الشريحة الأكبر، مشاهدةً وفرجةً، يبوحُ لي البعض بشيءٍ من كلٍ، والكلّ لا وجود له.
“كطالبة بقسم الإعلام بجامعة عمر المختار، أرى أن الدراما الليبية بدأت تتشكل في الوقت الحالي، بعد غياب طويل“، تكتب لي تفاحة عوض 21 عاماً. والتي رأت أن المسلسلات الليبية “تملأ الساحة الفنية في الشهر الجاري، مع تنوع جيد جدا في الأفكار والقصص، رغم قلة عدد الممثلين، مع خبرة ليست بالطويلة لبعضهم“.
وسأجدني مضطراً لذكر بعضٍ من عناوين الممدوح والمذموم. ممدوحٌ هنا لدى تفاحة مسلسل (تخاريف) لمؤيد زابطية، الذي “كان بشكل كبير يعبر عن الهوية الليبية بطريقة ممتعة“ بحسب ما رأت.

وللبحث عن آراء ربما تكون أكثر تخصصا في مجال التلفزيون والدراما قمت باستطلاع رأي شاب وشابة من كلية الفنون والإعلام بجامعة طرابلس، لأجد أن عبد المجيد الجربي 26 عاماً لا يجذب اهتمامه أي من المعروض، فـ “التمثيل سيء، الإخراج سيء، والموضوع سيء“، بحسب قوله وهو المتأثر بالسينما العالمية، التي تفرض طوعاً ذائقة قد لا يطالها محبّو وصانعو “الدراما“.
أما آسيا الحمادي 27 عاماً، تخاطبني قائلةً، “أنا نعتبر نفسي شخص متابع للدراما والأعمال الفنية عموما في ليبيا“. ولعل وفرة المشاهدة قد تفضي إلى حكمٍ أكثر موضوعية تقول آسيا، “تفرجت على معظم الشغل للسنة هذي، والربيع من فم الباب يبان“، فكانت النتيجة، “الدراما عندنا دراما غير ناضجة ونادر ما أجد شيئا يعجبني لمتابعته” يُجمعان عبد المجيد وآسيا على ابتذال النص حتى في حضور الإنتاج القوي. فأغلب الأعمال، كما يصنفها عبد المجيد، محض “نصائح عن الحب والأخلاق بطريقة مبتذلة“.
ويقودنا هذا إلى التساؤل ما إذا كان غياب السينما في ليبيا سبباً رئيسياً وراء غياب الثقافة المرئية بشكل عام؟
من منظور محمود بو زيدان 23 عاماً، الدراما الليبية موؤودة. ويصفها بأنها “هابطة“، سر هبوطها كامنٌ في ردائة التمثيل والمبالغة في الطرح. محمود يدرس التاريخ في جامعة السيد محمد بن علي السنوسي الإسلامية في البيضاء.
البديل لدى محمود متأتّ من روافد مغايرة في الشكل وليس في المضمون، وأقصد هنا مسلسل (شط الحرية) لفتحي القابسي. والإجماع النهائي يصب في الشط. فجميع من كاتبني يردف بذكر المسلسل كنموذج “درامي” باهر في الظلمة.
يعلّل محمود فرجته بأن العمل “يطرح مواضيعاً لم تناقشها الدراما“، وأنه أدخل لغة الرمز إلى الشاشة دون تكلّف. آسيا ترى أن “التمثيل ممتاز والكوميدية منطقية وحقيقة“، وبيدَ أنه هناك “ضعف في الاخراج، إلا أن الجوانب الأخرى تغطي على العيوب.” ويثني عبد المجيد على صدق المحتوى وعفوية المعالجة.
الشاشات تتنوّع؛ تتفرج تفاحة على مسلسلاتها المفضلة عبر بوابة الإنترنت، وعلى اليوتيوب تحديداً، فيما تخدمها شاشة حاسبها المحمول (اللابتوب).
عبد المجيد يقلّب محطات التلفاز على النمط التقليدي، حاله حال آسيا. أما محمود، فيزور شخصياته المفضلة على المنصات كافةً، لاسيما على هاتفه المحمول وهو يقتنص الدقائق التي يخلو فيها دكانه من الزبائن.
صار إنتاج الدراما في حد ذاته غزيرًا. أتيقّن من هذه الملاحظة كوني أوّلًا مراقبًا عاديًا لهذا النشاط غير العادي، وثانيًا خرّيجَ سينما يرى في هذا الفيض الإنتاجي فرصاً من شأنها أن تثير التساؤلات.
فإن توفرت التقنية العالية وكاميرات الدرون، يظل المشاهد محبذًا لمضمون هذه التقنيات. لن تخلو الدراما من المواعظ الموبوءة بالابتذال والمبالغة – لفظان باتا ملازميْن ومرادفيْن لكلمة “دراما” – ولكن على الضفة الأخرى، قد تُسمَع أصوات أخرى، شابة وهرمة، تمحوا بعضاً من التهكم والامتعاض.
ومن خلال الرصد الذي قدمه موقع طيوب وهو موقع ثقافي فني ليبي فقد أنتجت الدراما الليبية في شهر رمضان أكثر 40 عملا تنوعت بين كوميدية وتراجيدية، وحملت هذه الأعمال التي تم تصنيفها بحسب المدن عناوين ومواضيع تنوعت بين ما يواكب بعضها زمننا الحالي، وما يصور بعضها فترات زمنية قديمة.
وقد صنف الموقع الأعمال الدرامية التي تم انتاجها في عام 2021 بحسب المدن التي تم انتاجها بها، وتمثلت الأعمال التي أنتجت من طرابلس في : تخاريف، ويطق القلب، وغسق، وزنقة الريح2، وصاير صاير 4، وفضيلة قلب الاسد، وطريبقة 2، وولاد الناس، وتريند، وحكايات العساس، وودباير سعاد، وأنا وراجلى، وتشكبينا.
أما من مدينة بنغازى فقد تم انتاج الأعمال التالية : الغربال، وكريمة الحكيمة، والعشم، وبنت العز، وهدارزى9، وناشينول جغرفى، وخالتى حليمة، ودف معانى، وواحد مخطم، والافندى لقمة، وإنتم ياهوه، وكاغط حرش، وكريب، وخيطى ميطى 2، وعسل مغشوش2.
كما تم إنتاج وتصوير أعمال بمدن أخرى من بينها عملي ”اللى بعده، وجنان الزيتون ”بمدينة مصراتة، فيما تم تصوير أيام الجور بمدينة درج، أغرم بمدينة غات، ودباير بمدينة درنة، وأسرار الشتاء بمدينة البيضاء، امصوقرها بمدينة طبرق، وتم إنتاج عملي ”يوميات جلاوى ومكاتيب مرايف“ بمدينة شحات، وخالتى مشهية بمدينة المرج، فيما تم تصوير وإنتاج كل من ”شط الحرية وزمن الهف، وبالمقلوب“ بمدينة إجدابيا.
الفيلم الاردني الصفقة الخاطئة يشبه في طياته مسلسل روبيك الليبي