لكل مناسبة دينية طقوس تميزها من منطقة إلى أخرى، كما أن التنوع العرقي والجغرافيّ في ليبيا يكسب أعيادنا تنوعا من جنوب البلاد إلى شرقها إلى غربها، ومن صحرائها إلى جبالها وساحلها، وما يجمع هذه الطقوس رغم اختلافها “اللمة“، والزيارات العائلية، لكن مع جائحة كورونا بات من الصعب والمُقلق وجود هذه العادة.
يقول محمد المصراتي – 32 عاماً – أن العيد قبل كورونا عندهم كان مختلف عن العيد بعدها، حيث أن العيد من قبل يعني اجتماع العائلة الكبير، وتبدأ الطقوس من يوم عرفة ”الكبيرة“وصيامها، ويقضون اليوم كله في بيت الجدّ يجهزون ليوم النحر.
ويحدثنا محمد عن الواجبات التي يقتسمها الرجال مع النساء قائلاً ”يصوم الجميع تقريبا، وتصنع النسوة “الفتات المصراتي” وخبزة التنور، في حين يشطف الرجال أمام المنزل ويجهزون مكان الذبح، ويأتي صباح العيد محملا بروائح الشواء والأضاحي المسلوخة التي يتجاوز عددها الخمسة عشر دوماً“.
يخبرنا محمد أن اثنين من أعمامه لم يشاركا العائلة عيد الأضحى الفائت بسبب إصابة بعض أفراد العائلة بفيروس كورونا.
مع انتشار فيروس كورونا المتحور ”دلتا“ وازدياد أعداد الإصابات في المدينة، قررت عائلة محمد أن تقيم كل عائلة طقوسها في بيتها، وأن لا وجود للمة في بيت الجد الكبير؛ خوفا على الجد وبقية أفراد العائلة.
على عكس عائلة محمد تصّر عائلة فاطمة البكوش – 30 سنة – من بني غازي على لمّة العيد، وتقول ”التوتّر والقلق سيدا الموقف في مشاعرها الآن، فأنا من جهة لا أرغب في الخروج عن إطار العائلة؛ خصوصا بما تفرضه القيود الاجتماعية على النساء تحديدا، ومن جهة أخرى أشعر بالقلق والخوف من الاختلاط في تجمعات لوقت طويل“.

ومن مدينة هون تخبرنا أريج نصر عن طقوس عيد الأضحى لديهم، حيث تنتقل العائلة الكبيرة للمزرعة من يوم عرفة، يتم ذبح وتقطيع الأضاحي أول يوم، وقبل الذبح يضعون بعض الحنّاء على رأس الخروف اعتقادا بأن هذا يجلب البركة للعائلة طوال العام.

ومن ثم تتناول العائلة الإفطار بشواء كبد الخروف، فيما يكون الغذاء “قلاية“، تقيم عائلة أريج بالمزرعة عشرة أيام بلياليها، وتبدأ زيارات الضيوف من ثاني أيام العيد.
تقول أريج ”هكذا كانت طقوس العيد قبل كورونا، لكن العالم كله تغير بعد ظهور هذا الفيروس، نحاول الحفاظ على أكبر قدر ممكن من التقاليد، لكننا سنقلص فترة إقامتنا لأربعة أيام، ولن نستقبل الضيوف والمعايدين“.
إحدى تقاليد هون ما يعرف بـ “الشوكة“؛ تصف أريج الطقس قائلة “تُغسل شوكة من النخل ويوضع فيها جزء من الكبد والقلب والرئة يتم تتبيلهن وشوائهن بشكل خاص، وتقدم للضيوف“.
يُشكل الفيروس خاصة بعد ظهور ”السلالة دلتا“ وازدياد عدد الإصابات هاجسا للكثير، لا سيما العائلات التي يكون من بين أفرادها العجائز والمرضى والحوامل، حيث تُعرب خديجة – 28 سنة – من مصراته عن خوفها الدائم على جدتها ووالدها من الفيروس.
تقول خديجة ”أتمنى ألّا يتكرر ما حدث في العيد الفائت فقد غاب عنا عدد من أخوتي بسبب إصابة أحدهم وزوجته بالفيروس خلال فترة العيد“.
تفتقد خديجة لمّة العيد في بيت جدّها لأمها جرّاء بعض الإصابات بالفيروس في العائلة، حيث قالت “كنا نتغنّى دوما بلمتنا، ونُسعد بها، حتى وإن كان التعب والمجهود الجسدي مضاعفا إلا أنه مصحوبا بالفرح، ومع اقتراب العيد هذا العام؛ كانت أقصى مخاوفي أن يصاب أحدنا بالفيروس مرة أخرى“.

كذلك تقول أريج أن خوفها على جدتها الكبيرة في العمر وأختها المريضة بحساسية الصدر كبير، لذلك تخاف من الإصابة بالفيروس لأجلهن، وتقول إن هذا الخوف سيجعلها تعزل نفسها وتبقى في البيت.
توصي منظمة الصحة العالمية بالحفاظ على ارتداء الكمامة والتعقيم، إلا أن اللمات العائلية والاجتماعية تحول دون ذلك، حيث أن حفاظ شخص واحد لا يعني شيئا مع عدم إلتزام البقية.
في حين يتعرض من يطبقون التدابير الوقائية للاستهزاء والتنمر، حيث تقول هدى – 40 عاما – أنها المحافظة الوحيدة في عائلتها، مما يجعلها عُرضة للنعت بالخوف.
أصبح العالم بعد كورونا مختلف عما قبله، فحين يقضي علي – 28 سنة – حجره في منزله رفقة زوجته فإنه يشعر بالحُزن والوحشة الشديدة تجاه هذا العيد، حيث أن هذا العيد أول عيد له بعد زواجه.

يقول علي ”كنا متحمسين لقضاء العيد مع العائلة، إلا أن إصابتنا بفيروس كورونا تحول دون ذلك، سيكون العيد ناقصا رغم محاولاتنا خلق أجواء سعيدة لوحدنا، وعدا عن اللمة المفقودة فإن غياب حاستي التذوق والشم لكلينا تؤثر سلبا أيضا، لا سيّما وأن هذا العيد يعرف في البلاد بـ“عيد اللحم“.
يتسم مجتمعنا الليبي باختلاف أعراقه بالحفاظ على اللمة، ويبقى الكثيرون حائرون ما بين الحفاظ على اللمة أو الحفاظ على الصحة، وفي كلتا الحالتين؛ يبقى شيء عالق في المنتصف، فإما الوحشة في الوحدة، وإما القلق والتوتر في اللمة، خصوصا وأن الإمكانيات في مستشفيات العزل قليلة، والمنظومة الصحيّة في ليبيا مهددة بالانهيار في أي لحظة.