ثلاث عائلات تحت سقف بيت واحد.. هكذا نعيش منذ أكثر من شهر.. ثلاث عائلات من أحياء ومناطق مختلفة في مدينة طرابلس، أخرجنا القصف قسراً من بيوتنا، وجمعنا بيت واحد لأقارب مشتركين فتحوا لنا قلوبهم قبل بيتهم لاستقبالنا في هذه المحنة. المحنة التى لم تنته الى يومنا هذا.
في الأيام الأولى -ورغم قسوتها- إلا أن الأمل في احتمال انتهاء الأزمة بسرعة لنعود إلى بيوتنا، كان أكبر. لم نتخيل في أسوأ كوابيسنا أن يستمر هذا الوضع طول هذه المدة.
أربعة عشر شخصا من رجال ونساء وأطفال من مختلف الأعمار تحت سقف واحد. معنا امرأة حامل ورجل مسن. لا نتفق في وجهات النظر ولكننا مجبرون على التعايش فيما بيننا وتحت نفس السقف. في البداية حصلت مشادات كثيرة بين من يؤيدون عملية “فجر ليبيا” وبين من يؤيدون عملية “الكرامة”، وحتى المحايدون منا طالهم الانتقاد. ولكن بعد ازدياد وتيرة القصف وبعد تكرر سقوط القذائف العشوائية على البيوت وموت عائلات بأكملها في مناطق بعيدة نسبياً عن أماكن الاشتباكات وتمركز المليشيات، أدركنا أننا جميعاً خاسرون مهما كان الطرف الذي سينتصر في نهاية هذه الحرب.
هذا إن كان لها نهاية حقاً.
القذائف العشوائية لا تميز بين مؤيد لها ومعارض، وحتى الخوف على بيوتنا من القصف أو النهب والسرقة الذي كان يسيطر علينا في البداية، تلاشى تدريجياً، فما قيمة البيت أمام حياة إنسان؟
تعلمنا أن نتعايش معاً وسط كل هذا البؤس الذي يحيط بنا.. نتقاسم المهام.. نتناوب الأدوار في غسيل الملابس وشحن الأجهزة الكهربائية حينما يعود التيار الكهربائي الذي ينقطع لساعات طويلة يومياً.. نحاول الترفيه عن الأطفال بأي طريقة، للتخفيف من وطأة حالة الخوف التي يعيشونها.. وحين ينام الأطفال، يسهر الكبار منا لنستمع لأصوات القصف ونحزر أنواع الأسلحة والقذائف التى تصلنا أصداؤها، ولا ندري أيها سيصيب من ظنوا أنهم آمنون في بيوتهم أو يصيبنا نحن من حيث لا ندري..
نحاول تذكر تلك الأيام التي كان المجتمع الدولي يعتبرنا فيها مدنيين نستحق الحماية الدولية العاجلة، رغم أننا لم نتعرض لمثل هذا القصف في ذلك الوقت.. ونفكر في الغد وما الذي سيحمله إلينا ومن الذي سيسيطر على المناطق التى تتواجد فيها بيوتنا. هل سنعود إليها قريباً أم سيطول بنا المقام خارجها؟