مقالات

فخ مؤثري مواقع التواصل … من وقع ومن نجا

يقضي غالبية الناس وليس الشباب فقط أوقات غير محدودة على منصات التواصل الاجتماعي، الإدمان على محتوى الموقع الأزرق “الفيسبوك” أو الغوص في عالم مليء بالمحتوى البصري على “الإنستغرام” أو ربما الانجرار وراء سيل من المقاطع القصيرة التي قد نعجز عن إيقاف تدفقها على منصة “التيك توك”، هل خرجت الأمور عن السيطرة؟ هل تشكلت توجّهات جديدة قد تغير جيلًا كاملًا على جميع الأصعدة؟

صُممت هذه المواقع لإبقائنا أطول قدر ممكن نتصفح محتواها، وتجمع بدورها البيانات وتفهم عبرها أنماط تفكيرنا، ثبتت الوقائع تورط بعض المنصات في نشر معلومات مضللة كما حدث إبان جائحة كوفيد 19 العام 2020م، حيث أشارت إحدى الدراسات إلى أن “فيسبوك” قد فشل في كبح انتشار  المنشورات والأخبار الزائفة عن الجائحة.

في ليبيا ساعدت منصات التواصل الاجتماعي في إطلاق مبادرات تضامنية وعززت الوحدة إبان فيضان درنة العام 2023م، سهلت على النشطاء نشر المعلومات ووصول المساعدات إلى المتضررين والبحث عن المفقودين.

ذات المنصات تستخدم للتعبئة وتشكيل الرأي، تطرق تقرير صادر في 2020 تحت عنوان “تأجيج الصراع بضغطة زر: ليبيا والسودان وسوريا” إلى دور أطراف أجنبية في تأجيج الصراع في ليبيا  عبر نشر معلومات مضللة لليبيين خلال السنوات الماضية.

نماذج مشوهة

تحوّل الرغبة في مشاركة الحياة الشخصية على كل المنصات دون استثناء الشباب إلى نسخ متماثلة تفقد التوازن بالتدريج، بل أكثر من ذلك خلقت أسلوب حياة وصورًا نمطية وتعريفات مرتبكة  لمفاهيم مثل النجاح أو الفشل، ووضعت معايير جمال صارمة، قد يلجأ البعض إلى التباهي بثراء غير موجود للحصول على التقدير والمكانة الاجتماعية.

في ليبيا تبدو الأمور معقدة، بسبب تداخل المعطيات الاجتماعية مع الواقع السياسي والأمني المضطرب، أفرزت وسائل التواصل الاجتماعي نماذج شاذة تملك المال والنفوذ، تعمل باستمرار على استعراض نمط حياة فارهة تستقطب به الشباب مساهمةً بذلك في خلق حالة مقارنة محبطة أو الترويج لطرق مختصرة بعيدًا عن التعليم أو الاجتهاد، فقط بمجرد اقتفاء ذات الطريق، يقود ذلك إلى حدوث خلل يؤثر على أصالة التفكير لدى الشباب ما يدفعهم إلى البحث عن أساليب تحقق الشهرة والثروة السريعتين.

شباب بأجساد رياضية وسيارات فاخرة وفتيات أنيقات يرسمنّ صورًا مثالية عن معايير الجمال وربط السعادة بالاستهلاك، ما ذُكر سابقًا هو جزء من توجٌه عالمي، فقد أظهر بحث أجرته شركة فيسبوك، أشارت نتائجه إلى أنّ 32٪ من الفتيات في سن المراهقة أفدن بأنّ إنستغرام جعل لحظات عدم ارتياحهنّ إزاء أجسادهنّ أكثر سوءاً.

ماذا عن الشباب الليبي!

سألنا شباب ليبيين عن ذلك التأثير وأين تقف حدود هذا المد! أخبرتنا ريم شو(30 سنة) وهي إعلامية ليبية، بأن التأثير بالنسبة لها كان كبيرًا، يبدأ من أصغر التفاصيل اليومية إلى تشجيعها على خوض تجارب جديدة، مؤكدةً على قدرة وسائل التواصل الاجتماعي على فتح آفاق أرحب للشباب وأيضا المساهمة في خلق وعي عبر حملات التوعية والتي تجد طريقها بسلاسة إلى الجمهور بفضل هذه الأدوات.

قد تتخذ ريم قرارًا بشراء منتج ما بعد قراءة تقييمات أو مراجعات عنه، كما تتابع عدد من المؤثرين الذين ينشرون محتوى هادف وترى أن هذه الظاهرة أي المؤثرين سلاح ذو حدين وتعتمد على وعي كل شخص.

يعرف هادي فتحي، طالب جامعي (24 سنة)، أي نوع من المحتوى يجب عليه متابعته ويؤكد على تأثره بالفعل بالقصص الملهمة والتي حققت المستحيل، على النقيض من ذلك تكون أخبار الحروب وإرهاصاتها محبطة له ولجيله بصفة عامة، يعمل هادي دائماً على تجاهل المحتوى الجدلي وعبّر عن فهمه لحجم تأثير ما يُعرف بالمؤثرين على الأجيال الأصغر على كل الأصعدة حتى على صعيد صيحات الملابس “والترندات”.

تنتقي فاطمة الزهراء الزوبي (17 سنة) وهي مصورة وطالبة مُقبلة على المرحلة الجامعية، المحتوى الذي تتابعه بعناية وتعتبر أن وسائل التواصل الاجتماعي قد عرفتنا بقصص نجاح يمكن الاقتداء بها، وترى فاطمة بأن بعض المؤثرين يروجون لمحتوى سلبي ويتصرفون وكأنهم يمثلون قدوة للمراهقين ما يخلق عامل توجيه غير سليم قد يوقع المراهق في فخ هؤلاء المؤثرين الغير مسؤولين.

“يمكنني عبرها صناعة تأثيري الخاص” قد غيّرت منصات التواصل الاجتماعي تطلعات شعيب أبو ساقة (25 سنة) ولكونه صحفي، منحته هذه المنصات مساحة مفتوحة وعززت شغفه بالعمل الصحفي، كما وسعت من مداركه عبر المقارنة الإيجابية بالأشخاص الناجحين وفتحت أمامه المجال “للتشبيك” بالتالي المزيد من الفرص وإتقان المهارات.

يشدد شعيب على وجود جانب سلبي لهذه المنصات التي ربما تخلق حالة من المقارنة المفرطة وترّوج لصور مثالية عن النجاح والذي يعرض الشباب لضغط نفسي، أو قد تجعل البعض بحسب شعيب ينخدعون بالمظاهر وتسّطح نظرتهم للحياة عبر الركض وراء “الترندات”.

تحدثنا عن ذلك مع خلود حمد وهي أخصائية نفسية مرشدة ومعالجة سلوكية، والتي ركزت على مساهمة هذه المنصات في تقليل مهارات التواصل لدى الشباب حيث جعلت الصداقات والعلاقات مبنية على التواصل الافتراضي وليس الواقعي، بالمقابل كان لها دور في زيادة الوعي بالصحة النفسية بسبب انتشار المحتوى التوعوي، “قد يكون بعض هذه المعلومات مغلوطًا لكن هذه ضريبة الوعي”.

نبهت خلود إلى بروز ظاهرة نتيجة الوعي بالصحة النفسية، تتمثل في تحوّل الأشخاص العاديين إلى أخصائيين نفسيين “بالتالي تصنيف أي عرض يمر به الشخص على أنه اضطراب وهذا يبدو واضح جدًا لدى الجيل الحالي”.

تعتقد خلود أن هذه الظاهرة “شوهت الواقع عبر وضع معايير محددة وتعريفات للعلاقات الإنسانية مثل الصداقة والعلاقات السامة، بالتالي وضع الأشخاص في دوائر ضيقة”.

وأضافت خلود على الجانب الأخر تتيح هذه المنصات فرصًا في مجال التطوير الذاتي، “هذا الفضاء يجعلنا مسؤولين عن ذواتنا ويخلق مساحة لتكوين الذات والتعبير والوصول إلى الكثير من الأشخاص عبر هذا العالم يمكن أن تكون مصدر تعليم وحتى رزق”.

أكدت خلود على الدور الذي يلعبه هؤلاء المؤثرين في توجيه الشباب على صعيد الصحة النفسية، “يمكن لمؤثر ما الحديث عن اضطراب أو صدمة تعرض لها ويساهم بذلك في تخفيف وصمة العار ويشجع الشباب على مواجهة مخاوفهم، يمكن للمؤثرين خلق وعي عام”.

هل ستختفي الفروقات الفردية؟

ايجاد التوازن هو المحك الحقيقي، في فضاء يتسم بالمقارنة والمنافسة والقصص المثالية – كيف يمكن الوقوف عند نقطة فارقة وعدم الوقوع في مستنقع القوالب النمطية والإشباع فوري، إذ بات الجميع تقريبًا يميل إلى متابعة المشاهير بمختلف توجهاتهم.

ينطوي الأمر على خطر حقيقي يتمثل في تغيير السلوكيات وتبنى أفكار وآراء مستمدة من التأثر بالحالة العامة لذلك المؤثر أو ذاك، النتيجة اضمحلال الحالة الفردية المميزة لكل شخص وبناء شخصية ذاتية غير مستقرة، في فضاء تنافسي تميزه المظاهر، يحلينا ذلك إلى اندثار الفروقات الفردية التي تصنع الطابع الشخصي وتغذي الإبداع.