تختلف توجهات الناس وتفاعلاتهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وذلك يعتمد على عدة عوامل يطول تفصيلها وشرحها وهي ربما تكون مادة جيدة للبحث والدراسة بتفصيل ممل.
أتذكر دائما تعليقات الأصدقاء حول بعض الناس الذين تختلف شخصياتهم في الواقع عن شخصياتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تجد شخصا لطيفا في الواقع، لكنه شرس أو سليط اللسان أو عصبي عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، والعكس صحيح.
وخلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد ما يسمى بالربيع العربي أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مؤثرة بشكل كبير على آراء الناس وتوجهاتهم، وكذلك على صناعة القرار في المنطقة، ولذلك نرى أحيانا أن الحكومات أو السلطات تتأثر بالترند بشكل ما او بآخر، نظرا لأسباب وعوامل تختلف من بلد إلى آخر، وتختلف أيضا باختلاف الأحداث.
وبعد صعود دور وسائل التواصل الاجتماعي وتغير الأوضاع السياسية في المنطقة، وبروز دور بعض التيارات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، أصبحت لدينا تفاعلات جديدة بين هذه المكونات الحديثة وما سمي بالإعلام الجديد أو الإعلام التفاعلي، والذي يرتكز بشكل رئيسي على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي هذا المقال سنركز على الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في عمل المجتمع المدني.
بطبيعة الحال لكل شيء في هذه الحياة مزايا وعيوب وإيجابيات وسلبيات، وهذا ينطبق على وسائل التواصل الاجتماعي وينطبق أيضا على مؤسسات المجتمع المدني في وجهة نظري.
والحكم على الإيجابيات والسلبيات وتصنيفها قد يختلف من شخص إلى آخر، حسب توجهاته السياسية وحسب خلفياته الثقافية والعقائدية، إلخ.
وسيلة للترويج
مثل أي مؤسسة عاملة في أي مجال آخر، تعمل منظمات المجتمع المدني على ترويج أنشطتها ونشر أخبارها على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك من أجل كسب التأييد والدعم المعنوي، أو المادي، أو نشر التوعية ،أو تنفيذ أجندة برنامج معين مثلا.
وفي هذا الجانب لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا داعما للمجتمع المدني، حيث وفرت وسائل التواصل الاجتماعي متسعا وفسحة للمجتمع المدني للتعبير والنشر والوصول للجمهور بطريقة سهلة وبسيطة وغير مكلفة.
وفي نفس الإطار لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا إيجابيا في التوعية وجذب المتطوعين وزيادة فرص التعلم والتشبيك والتطور للمجتمع المدني من خلال عقد شراكات جديدة وتوفير وسيلة سهلة للتواصل بين العاملين في المجتمع المدني محليا وعلى مستوى دولي وإقليمي.
الإعلام التفاعلي
ساهم الإعلام التفاعلي الجديد خاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة التفاعل ما بين الناشر والجمهور، وهنا نتحدث عن مؤسسات المجتمع المدني والمتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا التفاعل قد يكون إيجابيا أو سلبيا، وهو يعتمد بشكل كبير على أسلوب وطريقة إدارة المحتوى والتفاعل مع الجمهور واختيار المواضيع وطريقة الطرح المناسبة.
كما يعتمد أيضا في جانب كبير على الحظ!! خاصة فيما يتعلق بالتعليقات مثلا، وهذا ما نلاحظه عندما نتابع الصفحات المختلفة، و نجد – غالبا – أن التعليقات الأولى على المنشورات تساهم بشكل كبير في تحديد توجهات أو نمط التعليقات الجديدة.
الادعاءات والتحريض
كما ذكرنا سابقا، (لكل شيء مميزات وعيوب وإيجابيات وسلبيات) وهذا ينطبق على الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أتاحت لكل شخص تقريبا فرصة التعبير عن الرأي بشكل حر، بغض النظر عن النوايا وبشكل يتجرد أحيانا من الضوابط والقوانين.
هذا الأمر أتاح مثلا للحسابات الوهمية أو التي تنتحل أسماء شخصيات أو جهات معينة حرية نشر الادعاءات أو الأخبار المضللة، أو في بعض الأحيان استخدام بعض الطرق للتحريض على أسماء أو جهات معينة لها علاقة بالعمل المدني.
خلال عملنا في تدقيق المعلومات وكشف الأخبار غير الصحيحة والمضللة، صادفنا عدة أمثلة تستهدف شخصيات او جمعيات محسوبة على المجتمع المدني من خلال تعليقات أو منشورات من حسابات وهمية أو صفحات غير معروفة.
ولسنا هنا بصدد التفصيل فيما يخص هذه التصرفات، أو أسبابها، لأن ذلك يدخل أيضا في باب التحليلات والتوقعات التي قد تطول وقد تصيب أو تخطئ.
ولكن ما يهمنا في هذا الجانب أن مواقع التواصل الاجتماعي ساهمت في إفساح المجال أيضا لمن يريد مهاجمة المجتمع المدني، أو مؤسسات معينة أو شخصيات محسوبة على المجتمع المدني، وبالتالي ساهمت في إحداث أثر سلبي من خلال نشر المعلومات المضللة أو المنشورات التحريضية.
هنالك سياسات خاصة بالمعلومات المضللة والمنشورات التحريضية، وهي تختلف من موقع إلى آخر، ولكنها في اعتقادي تعتبر بعيدة عن مواكبة ما يجري في هذا السياق، خاصة فيما يتعلق بالمحتوى العربي بشكل عام والمحتوى الليبي بشكل خاص، وهذا أيضا مبحث يطول تفصيله وله علاقة باللهجات المحلية واختلاف فهم بعض المفردات من بلد لآخر.
وجهة نظر المجتمع
عندما نتحدث عن مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن نعرف أن هنالك حسابات حقيقية، وحسابات وهمية أو ما جرى تسميته أحيانا بالجيوش الإلكترونية، التي تعمل بشكل منظم على مهاجمة شخص ما أو جهة ما، أو بث معلومات مضللة وتحريضية، وهنالك طرق معينة لفهم ومراقبة سلوك هذه الجيوش يعرفها المتخصصون.
كما أن هنالك جزءا كبيرا من التفاعلات والتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي هي لشخصيات حقيقية، وهي تتباين ما بين الدعم الإيجابي والنقد أو التهجم. وهذه التفاعلات بالتالي تعكس وجهة نظر الشارع التي قد تختلف من بلد لآخر ومن مدينة لأخرى.
وكما هو الحال في أي أمر، ولأن الاختلاف سنة كونية وطبيعة بشرية، نجد أن الناس يختلفون فيما يتعلق بالمجتمع المدني بشكل عام، أو يختلفون حول مؤسسة ما بعينها، بسبب خلفياتهم وآرائهم المسبقة وتجاربهم.
هذا الاختلاف نجده في الواقع، ونجده أيضا منعكسا على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي قد نلاحظ أن هنالك اختلافا في الدور الذي تلعبه مواقع التواصل الاجتماعي في عمل المجتمع المدني من هذا المنطلق، وبحسب العوامل التي سبق ذكرها بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى المهمة.
يعني ذلك أن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي يختلف بحسب آراء الناس، وآراء الناس تختلف من منطقة لأخرى، كما أن التوجهات السياسية والٱراء المسبقة للناس تلعب دورا مهما في تحديد مواقفهم التي تساهم في تشكيل الرأي العام على مواقع التواصل الاجتماعي.
طبيعة عمل منظمات المجتمع المدني أيضا، وطريقة تمويلها، والمجالات التي تتخصص فيها، هي أيضا تساهم في تشكيل الرأي العام، وتساهم أيضا في طريقة صنع الادعاءات أو الإشاعات التي قد يطلقها خصوم المنظمة س أو ص.
أمثلة عملية
حتى نفهم طبيعة عمل المجتمع المدني، والمنظمات المختلفة يجب أن نعرف مثلا أن الهلال الأحمر والكشافة مثلا يمكن اعتبارهما من منظمات المجتمع المدني، وهما منظمتان تعملان في مجالات مختلفة خاصة فيما يتعلق بالعمل التطوعي وتدريب المواطنين بشكل يقدم خدمة للمجتمع ومساعدة للسلطات المحلية والمركزية بغض النظر عن التوجهات السياسية.
وظيفة المجتمع المدني
لست هنا بصدد الدفاع عن منظمات المجتمع المدني أو مهاجمتها، ولكنني أحاول أن أطرح معلومات تساعد على الفهم بشكل يساعد من يقرأ على اتخاذ القرار الصحيح، وتبني وجهة نظر سليمة فيما يخص وظيفة المجتمع المدني بالاستناد إلى معلومات منطقية، بعيدا عن الأمثلة والشخصنة.
المجتمع المدني هو مصطلح يشير إلى المنظمات والشخصيات الفاعلة في مجال العمل التطوعي الذي ينظم من قبل مجموعات لأهداف تخدم المصالح والقيم والأهداف المشتركة.
وفي بعض الأحيان تتعلق هذه الأنشطة بتقديم الخدمات، أو دعم التعليم أو التأثير على السياسات العامة، ويضم المجتمع المدني المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية وفي ليبيا مثلا توجد مفوضية تعمل على تنظيم عمل المجتمع المدني ومن ضمن خصائص المجتمع المدني أنه مستقل عن الحكومة وعن القطاع الخاص.وتعتبر النقابات العمالية، والمنظمات الخيرية، والنقابات المهنية من ضمن “المجتمع المدني”.
اتهامات
لطالما صادفتنا اتهامات لشخصيات وجهات محسوبة على المجتمع المدني، تلخصت في اتهامات بالعمالة مثلا أو محاولة نشر أفكار معينة، ولست هنا بصدد الدفاع أو الهجوم على أحد ولعل الفيصل في أي أمر هو القانون والوقائع الحقيقية البعيدة عن الإشاعات والمعلومات المضللة.
هذه الاتهامات والادعاءات غالبا ما تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض الأحيان تسبب تهديدا أو ضررا مباشرا أو معنويا للضحايا، ولذلك يجب دائما أن نحذر عند مشاركة أي منشورات أو معلومات غير مؤكدة أو منشورات تتضمن أسلوبا تحريضيا.
الخلاصة
وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني هما من نتاج تطور الفكر البشري ويمكن الاستفادة منهما لدعم المجتمع وتقديم الخدمات التطوعية المختلفة بشكل يساعد المواطنين، ويساعد السلطات، وهذا يتطلب تحقيق مجموعة من النقاط منها (على سبيل الذكر لا الحصر) – مثلا – التوعية بدور المجتمع المدني بشكل واسع وسليم، والسعي لإشراك عدد أكبر من الناس في أنشطة المجتمع المدني، بالإضافة إلى ضمان تواصل جيد وبناء بين السلطات والمجتمع المدني من خلال فهم علاقة الشراكة البناءة وأثرها الإيجابي وتحقيق الشفافية والإلتزام بالقانون.
وفي النهاية أطرح وجهة نظري الخاصة غير الملزمة طبعا، حيث أنني أعتقد أن المجتمع المدني – نظريا – هو داعم للمجتمع ويساهم في تقديم الخدمات ويقدم العون للسلطة وبالتالي هو ليس عدوا أو خصما لأحد وعلى الرغم من أنه يتعبر مجموعة ضغط إلا أن التعامل معه بشكل إيجابي من قبل المجتمع والسلطة يعود بأثر جيد على المدى الطويل.
قد تكون هنالك مشكلات في هذا القطاع في بلادنا، ولكن حل “المشكلة” لا يكون بنصب العداء تجاه المجتمع المدني وإنما يكون بالبحث عن الحلول وزيادة المشاركة المجتمعية في هذا القطاع.