الطفلة الفلسطينية الجميلة عهد التميمي، ذات الخدود الوردية الجميلة (علامة التغذية الصحية) وصاحبة الشعر الذهبي الأجعد المنفوش، المنسدل بأغلبيته على كتفها الأيمن، تبدو لي كأنها عارضة أزياء، فالمشية والثياب والتكشيرة وجمال الوجه وحدة الملامح، جعلتها تبدو كأنها عارضة أزياء باريسية أكثر من كونها فلسطينية مناضلة.
قدَم لي أحد الأصدقاء صورة عهد التميمي وقال (هل رأيت هذه النجمة المناضلة؟) تمعنت في الصورة لفترة فاعتقدت للوهلة الأولى أنها صورة عارضة أزياء أوروبية وحين أخبرني بقصتها وبقي ممسكاً بالصورة رأيت فيها جزءاً مسكوتاً عنه من القصة، ثم تذكرت طفولتي التي كانت رازحة تحت ثقل وفقر الاشتراكية القذافية وأخبار ما كان يُعرف يومها بالانتفاضة الأولى.
اللعنة على إسرائيل المحتلة التي صنعت اقتصاداً قوياً استوعب حتى القرى والمناطق العربية، إضافة إلى المناطق الواقعة تحت حكم إدارة السلطة الفلسطينية فأنتج الاقتصاد الصهيوني المحتل مواطناً صاحب دخل جيد مثل والد عهد، استطاع أن ينتج خدوداً متوردة على وجه ابنته بفضل الدخول الجيدة الناتجة عن الاقتصاد الإسرائيلي الناجح!.
عهد التميمي المناضلة تدين بجزءٍ من الفضل إلى سلطة الاحتلال التي جعلت من يعيلها قادراً على شراء هذه الثياب الجميلة الحديثة بعلامة النجمة اليسارية وسط القميص، فهل كانت عهد ستكون بهذه الإشراقة والجمال والأناقة والثقة إن رمتها الصدفة في إحدى دول الجوار؟ إذا وضعنا عهد التميمي إلى جوار فتاة من عمرها في إحدى الدول العربية الحرة الناجية من سرطان إسرائيل مثل (ليبيا، سوريا، العراق، اليمن، مصر) فسنجد أن جارة عهد العربية هي في الغالب شاحبة بسبب سوء التغذية المعتمد على اقتصادات ودول شبه منهارة، وسنجد أيضاً أن جارة عهد لاتحظى بذات الحظ من طراز الشعر والثياب، إضافةً إلى سببٍ جوهري آخر، فالعربية -جارة عهد- الحرة الناجية من معاناة الرزوح تحت الاحتلال الإسرائيلي، لاتقوى على الخروج إلى الشارع بمثل هذا الشعر الذهبي المنكوش والسارح وبمثل هذه الثياب التي تستدعي المتحرشين والتي سيعتبرها المجتمع سبباً في الوقوع ضحية التحرش، عهد غير محظوظة مثل جُل الفتيات العربيات فرغم نضالها ومعارضتها لإسرائيل، فالدولة والشرطة الإسرائيلية يفرضان الأمن ويحافظان على كرامة الناس من تغول بعضهم على بعض حتى صار بإمكان صبية جميلة مثل عهد أن تمشي بهذه الثقة والجمال وسط الشارع كأنها في عرضٍ باريسي.
المفارقة تكمن في أن بنات جيل عهد في الدول العربية لايملكن كثيراً مما وفرته سلطات الاحتلال للجميلة المناضلة وللفلسطينيين الذين يناضلون للخلاص من هذا الجاثوم الإسرائيلي. يمكن لعهد المناضلة أن تلبس الجينز الضيق وتخرج إلى الشارع لتصرخ في وجه أول شرطي إسرائيلي يقابلها، بينما لا يمكن لجل الفتيات في سوريا وليبيا ومصر والعراق والخليج أن يخرجن إلى الشارع دون أن تقع الواحدة منهن بين فكي أحد المتحرشين، ربما لسوء الحظ أو لحسنه، إسرائيل فقط هي من يضمن حرية الأناقة واللباس حتى للمناضلين الفلسطينيين بين كل دول المنطقة الحرة والعامرة بالمتحرشين “الأحرار”.
ذكرتني عهد وحالتها بما كنا نشاهده في سنوات الاشتراكية القذافية على شاشة التلفزيون الرسمي، كان رماة الحجارة الفلسطينون يلبسون ثياباً أجمل وأفضل من تلك التي يلبسها الأحرار في جماهيرية القذافي، حتى شاعت هذه الملاحظة بين الليبيين الذين أضناهم يومها عيش الجمعيات والأسواق العامة، رأوا أن إسرائيل تكفل حياةً كريمة لأعدائها الفلسطينيين أفضل مما تفعله دولتنا الحرة الجماهيرية، هذا ما شاهدته مفقوداً من قصة عهد التميمي، فلو كانت مصرية أو سورية أو ليبية لكان وجهها ملفوفاً وسط حجاب يخفي أمواج شعرها الذهبي ولأطالت أمها ثيابها وبالغت في توسعتها خوفاً على بنتها من أبناء الوطن الأحرار جداً حد التحرش ولكانت شاحبة الوجه بسبب سوء التغذية، إسرائيل صنعت نصف هذه المناضلة الجميلة ولا أرى عيباً في ذكر هذا الفضل وربطه بصانعه.