محمد بوسنينة: الدرباك! article comment count is: 4

الدرباك، فلسفة الإيقاع والكون في الدربوكة

تقرير: علاء الدرسي، صور: دينا القلال.

الدرباك! هل يمكن لهذه الصفة إلا أن تكون مسيئة لصاحبها؟ إذ لطالما اقترن الطبل، الطبال أو الدرباك بعبارات تدل على التملق أو الرخص، ولكن يبدو أن شخصا ما في مدينة بنغازي يرى خلاف ذلك، بل إنه يمتد إلى أبعد من ذلك، حيث يربط بين فلسفة الكون والإيقاع، في هذا المقال سنكتشف الخفايا  الأخرى التي قد لا نعلمها عن تلك الآلة الحاضرة في جميع أعراسنا.

“علبة هندسة ودرج المدرسة كانتا أولى آلات العزف لدي، ومن خلالهما تعرّفتُ على الإيقاع”، يقول محمد بوسنينة حول بداياته التي جاءت عقب محاولة محاكاة إيقاع أغنية “they don’t care about us” لمغني البوب الشهير مايكل جاكسون: ” إنما الصدمة الأولى كانت حينما حاولت محاكاة ذات الإيقاع على الدربوكة، كانت صعبة ولكني أحسست بإمكانيتها، وكنت أقول لنفسي لما لا تمتلك هذه الآلة مساحة أوسع من الزاوية المحصورة فيها في أفراحنا وحفلاتنا الشعبية؟”.

الإيقاع هو من يعطي الهوية الثقافية للمجتمعات، كان هذا هو هوسي في تعلم فلسفة ارتباط الإيقاع بنا

يضيف بوسنينة عمّا ألهمه للاستمرار والتطوير والبحث في الإيقاعات الجديدة التي يمكنها أن تقدّمها هذه الآلة، أنه شاهد فيديو كليب لروني باراك -وهو لاعب إيقاع ومبتكر لمدرسة جديدة تؤالف بين التكنيك الشرقي  والغربي- ” كانت مشاهدته بمثابة الدفعة الحقيقة لي لدمج المدرستين الغربية والشرقية”.

الدربوكة في ليبيا

فلسفة الدربوكة:

في هذا الجانب يردف بوسنينة القول ” الإيقاع مرتبط بالشعوب وبثقافتها، كالإيقاع الأفريقي واللاتيني أو الشعبي الليبي، فكلما سمعتَ أحدها، تستحضر في ذاكرتك تلك البقعة الجغرافية، فالإيقاع هو من يعطي الهوية الثقافية للمجتمعات. كان هذا هو هوسي في تعلم فلسفة ارتباط الإيقاع بنا”، فلسفة كانت البداية لبوسنينة في دمج إيقاعات الشعوب والروح الإيقاعية فيما بينها  لاستخراج حكاية إيقاعية، وقد تمكن من رواية حكايته الخاصة مع الدربوكة.

كنت أريد تعلم الإيقاع في المنزل ولكن أسرتي كانت مُتديّنة ولديها مستوى اجتماعي معين؛ فكانت هذه بمثابة المعضلة. لم أعرف كيف يمكنني شراء دربوكة

“أنا مؤمن أيضاً بوجود الرابط بين الإيقاع وحياتنا، مثل علاقة الجسم بيولوجياً به وكيف أنه مبنيٌ عليه، دقات القلب مبنية أيضاً على الإيقاع وتوقفه يعني توقف الحياة” يضيف بوسنينة.

الكون نفسه يتماشى في  إيقاع منتظم الليل والنهار ودورة القمر والكواكب والمجرّة والكون جميعها تسير في إيقاع كامل منتظم، على حد تعبير محمد.

محمد بوسنينة، الدرباك

الأسرة والمجتمع :

الدرباك في مجتمعنا وعند العرب هو الشخص الذي يدربك في الأفراح، أي أن الكلمة تعني بشكل أو بآخر المجون، وتعكس شخصية غير طموحه وفاشلة

“كنت أريد تعلم الإيقاع في المنزل ولكن أسرتي كانت مُتديّنة ولديها مستوى اجتماعي معين؛ فكانت هذه بمثابة المعضلة. لم أعرف كيف يمكنني شراء دربوكة؛ فكانت مناسبة العرس حجّة لي لشراء واحدة، وعقب انتهاء العرس أصبحت أتمرّن كل يوم على الدربوكة. في كل مرة كان المنزل خالياً فيها، ولكن أسرتي اكتشفت هوسي بالدربوكة عقب دخولهم للمنزل دون علمي، وتقبلوا الفكرة عقب تكراري لهذا الأمر” يروي بوسنينة قصة عائلته مع الدربوكة، إذ أن إصراره وشغفه بها أقنعهم على تقبلها، ولمدة عام ونصف كان يتمرن مدة 5 ساعات في اليوم عقب تقبل الأسرة “لجنونه” كما يصفه.

تجمع تاناروت، حاضنة الفن ببنغازي

قد يكون تقبل العائلة شيء يسهل نيله أمام العائلة الأكبر: المجتمع. يروي بوسنينة أنه كان يضع الدربوكة في حقيبة عادية غير مخصصة لها مخافة أن يعلم المارّة بأنه يحمل واحدة معه، ” إلى أن رآني الأستاذ أحمد الزليتني وهو أستاذ موسيقى وسألني لمَ أفعل هذا؟ وما أن أخبرته بالسبب حتى قال لي: “لو متحشّم منها سيبها، أو خليك قدّها واطلع بيها قدام الناس”. هذه العبارة  التي يقول عنها بوسنية أنها غيرت مجرى حياته، وحفرت في أذنه، ودعته إلى التشجع وحملها حتى دون حقيبة أحياناً، إذ بعد ذلك “كنت أقابل الاستهزاء بالضحك والمزاح مع المارة فالدرباك في مجتمعنا وعند العرب هو الشخص الذي يدربك في الأفراح، أي تعني بشكل أو بآخر المجون، وتعكس شخصية غير طموحة وفاشلة”.

يخبر بوسنينة عن الورطة التي تعيشها آلة الدربوكة، محدثاً أن سبب السمعة السيئة التي جنتها هو أنّ ليبيا ليس بها مؤسسات فنية مثل دار الأوبرا أو دار الموسيقى، بحيث يتم إخراج تلك الألة من بيئة الأعراس، فأصبحت الموسيقى في أسفل السلّم الاجتماعي “والدربوكة في أسفل السلم الموسيقي”.

حمار ليبيا القصير:

“طلب مني الأستاذ أحمد الزليتني القدوم إلى مقرّ مركز ثقافي يدعى تاناروت، وذلك للبحث في فكرة إنشاء فرقة موسيقية، وبدأنا فعلاً بالعمل على أعمال الدكتور تامر العلواني، وهي أعمال ذات طريقة فريدة إذ تعتمد على القصيدة المحكية، وهذا النوع من الشعر يكون صعبا في التلحين لصعوبة الوزن فيه، إذ يجب ترجمة الحالة المواكبة للشعر، وكانت بمثابة تحدٍ لنا جميعا أن نترجم تلك الأشعار”، يخبر بوسنينة عن أوّل أعماله الثقافية في مؤسسة تاناروت الثقافية، مضيفاً أن الوضع الثقافي في ليبيا متأثر بشكل كبير بالأوضاع التي يعيشها الشعب الليبي الآن، مقارنة بالوضع في السنوات التي أعقبت أحداث 2011، إذ يرى أن العقلية الرافضة لأي أمر لم يوجد قبل 2011 قد بدأت تعود بعد ثلاث سنوات من الانفتاح نحو الجديد، “كذلك، فإن أولويات المواطن تراجعت بسبب الأوضاع الاقتصادية، فأصبحت الثقافة والفنون في أسفل سلّم الاحتياجات، هذا إن وجدت إذ لا يمكن للمواطن مثلا في ظل هذه الأوضاع أن يشتري لابنه أو ابنته عدة رسم مكلفة؛ لغرض تطوير مواهبهم بل يجد نفسه يصارع اليوم لتوفير الاحتياجات الأوّلية لأسرته”، يقول بوسنينة متحسراً.

ينهي بوسنينة حديثه بأن “الناس تقول أن هذا ليس وقت الثقافة في ظل هذا الاختناق، إنما أنا أرى خلاف ذلك، فالثقافة والموسيقى هي الرئة الثالثة التي من خلالها يمكن أن نتنفس حقاً”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

Tell us what you think

Recent Comments (4)

  1. محمد بوسنينة فنان حقيقي و له ولاء غير محدود لشغفه.

    الى أسرة هنا ليبيا: أرجوكم راجعوا المقال لاحتوائه على أخطاء لغوية و نحوية جسيمة.

  2. اتمنى التوفيق لاخى فى هوايته التى حاول من خلالها تغيير فلسفة هذا الفن واخراجه من قوقعته الى معانى من الفن الراقي

  3. حوار راقي يدل على الأرضية الثقافية القويت التي يقف عليها والمساحات الفكرية الواسعة التي يتجول فيها الفنان.

  4. احميده بوسنينة مكسب لالة الايقاع في الموسيقة الليبية ولو تمكن من ان يترجم ماتوصل له من افكار وتكنك ايقاعي اكديمين سوف تستفيد منه الاجيال ستصبح (ظاهرة بوسنينة )نقله في موسيقي الايقاع في ليبيا وقد تغير نظرة المجتمع لهذة الالة المهمه والمظلومة