“هل تخاف من الكاميرا” سؤالٌ مهمّ كان منطلقا لمنصّة (هنا ليبيا) في إعدادها لاستبيانٍ حول علاقة الليبي والكاميرا أحدث استبيانات “هنا ليبيا”، والذي نشرته نهاية مايو المنصرم. عدد المشاركين هذه المرّة كان مرتفعا؛ فبلغ عددهم 5723 مشاركا. 98% منهم بين 15 عاما و30 عاما. و59% ذكورٌ، و41% إناث، الأمر الذي يعني أنّ هذه القضيّة تحظى باهتمام كبير من الجنسين.
سيتناول هذا التقرير الأوّل، والذي سيليه تقريران آخران، الشقّ الثاني من الاستبيان، حيث سار الاستبيان بشقّين منفصلين تحدّده الإجابة الأولى: (هل أنت المصوّر) أم (أنت الذي يتمّ تصويره). وهذا التقرير مخصّص للإجابات على الشقّ الثاني “اللي يتم تصويره” والذين شكّلوا 55% من المشاركين. 63% منهم ذكور و37% إناث. أي أنّ 45% من المشاركين اعتبروا أنفسهم مصوّرين، أو بصيغة أدق من يقومون بتصوير غيرهم، وهي نسبة غير مستغربة نتيجة تطور الأجهزة المحمولة وهوس الكثيرين بالتقاط الصور.
أبرز اسئلة الاستبيان كانت “لماذا يخاف المواطن من الكاميرا؟” 39% من المشاركين – وهي النسبة الأعلى من الإجابات – اعتبر السبب “عقدة اجتماعية من الكاميرا” بينما الترتيب الثاني من حيث النسبة كان من نصيب “مش واثق في اللي يصوّر شن بيدير بالصورة” وبنسبة بلغت 29%. ويُلاحظ في علاقة الليبي والكاميرا أنّ أعلى سببين نسبةً يدوران حول (انعدام الثقة)؛ الأولى الثقة في النفس والثانية الثقة في الآخر. ولعلّ أسباب انعدام الثقة في المجتمع الليبي كثيرة؛ لكنها تستحق دراسة مستقلة من علماء الاجتماع.
بقيّة الإجابات كانت لافتة للنظر، ففي حين نفى 11% من المشاركين أن يكون الليبيّون يخافون – أصلا – من الكاميرا (رغم بطلان ذلك، من نسبة الإجابات الأخرى على نفس السؤال) تحصّلت “الأسباب الدينيّة” على 3% فقط من المشاركين. أمّا خيار “لأنّه يعتقد أن أغلب المصوّرين عملاء” فكان 1% فقط، وقد أيّد ذلك إجابة المشتركين على سؤال آخر، إذ رأى 10% فقط من المشاركين أن “أغلب المصورين عملاء وجواسيس لدول خارجيّة“.
النسبة المتبقية والتي بلغت 17% كانت من نصيب خيار “أخرى” وقد تضمّنت أسبابا أخرى لـ”خوف المواطن من الكاميرا” غير مذكورة في الاستبيان مباشرة، من بينها (فقدان الثقة بالنفس، مخاوف نفسية، بسبب تاريخ تعاملهم مع القنوات والصحافة) لكن أكثر الإجابات ركّزت على (معاملة المجتمع للأنثى التي يتم تصويرها). أكّد على ذلك أحد المشاركين فقال:
“الشابّ الليبيّ أو الرجل الليبيّ بشكل عام، لا يخاف من التصوير، فليس هناك أيّ مشكلة إذا تمّ تصويره، ولكن هذا الأمر من ناحية المرأة أو الفتاة الليبية يختلف كليا، حيث أنّه وللأسف الشديد هناك تخلّف كبير من الناحية الاجتماعية، حيث أنّه إذا كانت هناك أيّ فاعليّة في أي مكان وتمّ تصويرها، وتظهر في هذه الصور بعض الفتيات ستجد تعليقاتٍ سيئة ومشينة ومعيبة كثيرة وكلام كثير لا ترضاه الفتاة في نفسها ولا ترضاه عائلة الفتاة في ابنتهم. وللعلم يحدث هذا حتي وإن كانت الفتاة محتشمة”.
ولمعرفة كيف يتفاعل المشاركون مع قضيّة الاستبيان، كان سؤال “ما هي ردة فعلك عندما يتم تصويرك فجأة في الشارع” النّسبة الأعلى من الإجابات – والتي قاربت النصف – 44% كانت “أمر غير مقبول، لازم يأخذ إذني قبل” هذا الخيار اتفق عليه الجنسان فتقاربت النسب فكان منهم 52% ذكور و48% إناث. إلا أنّ 4% فقط منهم قرّر “يدير مشكلة مع اللي يصوّر” كان من هؤلاء 57% ذكور و43% إناث. في الترتيب الثاني في هذا السؤال كان “عادي ما فيها شي”-23%، ولم يكن غريبا أن كان غالبيّة من اختار هذا الخيار من الذكور بنسبة 87% والبقيّة 13% إناث.
الإجابات الأخرى بيّنت أنّه لا مشكلة بين الليبي والكاميرا – لمن اختار هذه الإجابات – من التصوير في حد ذاته؛ إنّما المشكلة في الحالة التي هم عليها أثناء التصوير أو ما الذي سيُفعل بها بعد التصوير. فكانت الإجابات على الترتيب: “على حسب شن ندير” 17%، “ماعنديش مشكلة، لكن خايف تنتشر عالنت” 10%.
أقلّ الإجابات نسبة كانت “لو بالتلفون عادي، بالكاميرا لا” 1% وفي هذا دلالة واضحة على أنّ المشاركين في الاستبيان يعتبرون التصوير فعلا مستقلا قائما بذاته، بغضّ النظر عن الآلة التي يُصوّر بها؛ خصوصا إذا علمنا أنّ هناك هواتف نقالة تضاهي بعض الكاميرات جودة ودقة.
وتكملة لهذا السؤال، كان هناك سؤال آخر “ما هي المواقف التي لا يحبّ المواطن أن يتم تصويره فيها“. النسبة الأكبر من الإجابات كانت “لما يكون مع العيلة” 40%، والعيلة/العائلة في المجتمع الليبيّ تعني النساء حصرا، أي أنّ قضيّة الجندر لا تزال حاضرة في علاقة الليبي بالكاميرا. أكّدت ذلك إحدى المشاركات، وهي تتحدّث بمرارة من خلال تجربتها في نادي المناظرة: “البنت بالتحديد يقولك الناس بتتكلم عليّا، وتوصل لخوتي يذبحوني، ولا شي ولا يحكو و يتكلمو بيّا، اني قي نادي مناظرة و لتوّا البنات تخاف لأنّ يحاربو فيهم”.
الغريب انّ نسبة إجابة “لما يكون مع العيلة” 40% تجاوزت خيار “لما يكون في موقف ضعف” 32%، رغم كونه أكثر إنسانية ومنطقية. بينما “المناسبات الاجتماعية” و “الأماكن العامة” تحصّلتا على نفس النسبة 8%. ورأى 12% من المشاركين خيارات “أخرى” من بينها (في حالة عراك/عنف).
أكّد 61% من المشاركين على “وجود إجراء قانوني اسمه تصريح تصوير” بينما نفى ذلك 39% منهم. ورأت الأغلبيّة 58% أنّهم مع هذا الإجراء بينما بقي الرافضون لهذا الأجراء قلة قليلة لم تتجاوز نسبتهم 8%. بقيّة الإجابات تراوحت، بين من رأى وجوب تصريح تصوير “عند تصوير مؤسسات الدولة” بنسبة 14% وفي “الأماكن العامة” بنسبة 14%. وتظلّ مسألة تقاطع الحرية الشخصية مع الفضاء العام مطروحة ومطروقة في علاقة الليبي والكاميرا ، ففي سؤال آخر رأى 84% أنه “يجب على الدولة تنظيم قوانين للتصوير في الأماكن العامة”. بينما قضيّة من له الحقّ في تصوير المواطنين في الماكن العامة رأى 48% فقط وجوب “منع تصوير المواطنين في الأماكن العامة ومنح التصلايح فقط للقنوات التي تتبع الدولة” بينما 52% لم يوافق على هذه الجملة.
وحيث أنّ الكاميرا لا تشمل فقط التصوير الثابت، بل تضم أيضا التصوير المتحرّك “فيديو” فكان سؤال : “ما هي المواضيع التي لا تحب أن يتم تصويرك متحدثا فيها؟” وكانت النّسب الأعلى غير مفاجئة لنا، إذ نصف المشاركين، 50%، اختار “العلاقات العاطفية” وبعدها مباشرة “المواضيع الشخصية” بنسبة 48%. الغريب أنّه يُلاحظ أنّ هذين الموضوعين أكثر المواضيع رواجا بين الشباب على المقاهي واللقاءات. ولا مشكلة بالحديث عنها المهمّ ألّا يتمّ تصويره أثناء حديثه عنها.
“المواضيع السياسيّة” أتت متأخرة قليلا بنسبة 39% ورغم حالة الحرب الشديدة والاستقطاب السياسيّ الأشد التي تعصف بالبلاد؛ اعتبر نصف المشاركون أنّ الحديث عن العلاقات العاطفية أصعب من الحديث في السياسة!. المفاجئ أنّ “الدين” أتى متأخرا كثيرا بنسبة 16%، بعد “الحرب” بنسبة 25%، يليه بعدهما بكثير “المواضيع الاجتماعيّة” 6%، “حريّة تعبير” 4%، “حقوق إنسان” 3%. بينما شكّل المحافظون، وهم الذين اخناروا إجابة “كلّ شيء” 18%. أحد هؤلاء كتب:
” كلّ ما ذكر في الخيارات السابقة، لأنّ الوضع مش آمن وأي رأي سيستفز فئة من الناس وسيسبب مشاكل. لما نكون في بيئة آمنه وتدعم حرية التعبير؛ ندوي في أي شيء دون تردد”.
من ضمن أسئلة الاستبيان، معرفة آراء المشاركين في جُمَلٍ بعينها. من ذلك: رأى 83% من المشاركين أنّه “من المهم توثيق حياة المواطن للأجيال القادمة، وأفضل طريقة هي التصوير“. أما عن جملة “من الخطر تصوير حياة المواطنين لأنّها تفضح نقاط ضعفنا للدول الخارجية” فقد كان المتواقع أن تكون متناسقة مع الجملة الأولى حيث أنّها فرع منها، ولكن 70% فقط يرفضون هذه الجملة؛ بمعنى أنّ هناك 13% من المشاركين يرون أنّ الصورة وثيقة تاريخية ولكن في نفس الوقت يجب أن تكون محلية ولا تعطى لدول خارجيّة!
ورغم أنّ 87% من المشاركين لا يوافق على مقولة “أخاف من الكاميرا أكثر من السلاح” إلا أنّ الانطباعات الأولى على إجابات هذا الاستبيان تشير إلى أنّ الليبيّين يرون الكاميرا سلاحا خطيرا يجب تجنّبه أو ترويضه، وأنّ الأنثى هي ضحيّة الكاميرا الأولى والأخيرة، وأنّها هي العامل الأهمّ في تحديد علاقة الليبي والكاميرا.
نبو شروط الحصول علي تصريح للتصوير الفوتغرافي والفيديو والجهه المخولة بدالك ولكم جزيل الشكر