article comment count is: 0

هناء قاباج تكتب: الشاب الذي قتل في عز النهار!

حدث هذا منذ شهرين، لم أعرف كيف أكتب عنه حينها، الشاب ذو القميص الرياضي الأزرق الذي قُتل أمام عيني..

أن تنتهي حياة أحدهم أمامك وتتحول أنت إلى جزء أصيل من البشاعة التي حاولت دائما التنكر لها، البشاعة التي نسمع عنها ونعيشها ونشاهد كيف تتطاول علينا، البشاعة المتجلية في كل شيء ونحاول مداراتها بالكذب.

لقد سقط، وقد كان يجري ويلهث قبل قليل، كان يجري وقلبه ينبض خوفاً ممن حاول اللحاق به.. قصتان نسجتا عن حادثة مقتل الشاب أمام مجمع ذات العماد في عز النهار، واحدة لا تخلو من تبرير أنه يستحق القتل لأنه لص سارق حاولت دورية إيقافه فهرب مما اضطرهم لقتله، وأخرى أن القاتل حاول افتكاك سيارة الضحية فتركها وهرب بالمفاتيح ولكنه مات وهي في جيبه.

السياق لا يهم كثيراً في مدينة تتشابه فيها السياقات والقصص، ولكن رؤية الموت هكذا جهاراً بكل وقاحة هو الجديد الذي قد يدمر فيك ما تبقى من خلايا حية ترفض العبث بأشكاله سواء عبث الموت أو عبث ادعاء أن الأمور جيدة، والحياة تسير “اهي ماشية واهو عايشين”.

لسنا عايشين ولكننا نتشبث بأي شيء يجعلنا نشعر أننا كذلك، أغنية جميلة، لوحة ملهمة، نص شعري، بناء جميل بعد أن ابتلعت العشوائية والأسمنت كل معالم الجمال، نرفض أن يتقاطع يومنا المليء بالتعب والغبار والزحام والسيولة والتكوّم البشري أمام المصارف، نرفض أن يتقاطع مع مجانية الموت وفضاضته في الكشف عن نفسه وفي أن يطل حتى من النافذة!.

في خضم هذا الكدح اليومي يأتي المشهد: شاب في قميص أزرق يقفز بعد مطاردة وإطلاق رصاص من السور الفاصل بين المشروع السكني المتوقف منذ 2011 في شارع المعري وبين الشارع المؤدي إلى طريق الشط بعد مطاردة أردته قتيلاً.. قفز وقد ظن أنه نجا، مازالت لديه أحلام صغيرة استيقظت على وقع هذا اللهاث المحموم، مازال لديه فواتير مستحقة الدفع، أم يطلب منها السماح، يحضر لها الخبز، زوجة مستقبلية تشرق في أحلامه.

الرواية الثانية تقول إنه من سكان مدينة قريبة من طرابلس التي جاءها لعمل ما، قبل أن يتوجه إلى الحمام البخاري، ملابسه ظلت في كيس داخل السيارة، الملابس التي ظننت يقيناً أنك سترتديها، الطريق الذي كنت أكيداً من أنك ستسلكه، الزحمة التي كنت موقنناً بأنك ستلعنها.. يسقط اليقين أمام سخرية الواقع الذي يجعل من رصاصة بربع دينار، قادرة على إنهاء حياة بأكملها، بجنونها وطيشها وحماقاتها وأحلامها.

أن تكون ولسوء حظك، شاهداً على عبثية هذه اللحظة فقط لأنك أدرت رأسك للخلف ونظرت بدافع الفضول من نافذة مكتبك التي اعتادت أن تمنحك مشهداً طبيعياً لسيارات تسير في ازدحام شديد!.

لقد تهاوى مثل ورقة صفراء مثل ذرة غبار، لم يمنحه الموت حتى أن يستوعب أنه يموت، كان يسمع صوت الرصاص ولم يكن يدري أن إحداها قد اخترقت ظهره، لم يتعرف على الدم الذي بدأ بالخروج من بطنه ويلوث قميصه، نظر إليه باستغراب، التفت وخطا خطوتين للخلف ثم سقط . الدماء تسيل مخلفة بقعة حمراء على الأسلفت وفيما كانت تكبر تلك البقعة، مرّ سرب من الطيور.. فقد كان موسم الطيور المهاجرة.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

Tell us what you think