كلما شاهدت مقطع فيديو لسجين ليبي يُعذب من قبل سجانيه، أو صورة لرأس مقطوعة لضحية من ضحايا الاغتيالات، أو غيرها من الممارسات العنيفة- التى صارت حدثاً عادياً في ليبيا ولا يثير الاستغراب،- كلما شاهدت أمراً كهذا، قفزت إلى ذهني حوادث كثيرة عاصرتها وسمعت عنها، تجعل من مشاهد التعذيب أمراً متوقعاً وليس بغريب على الإطلاق.
الحادثة الأولى كان بطلها ابن الجيران الشاب، الذي عرف من خطيبته أن شاباً من الجيران عاكسها، فاستعان بأصدقائه لمطاردة المعاكس. اختطفه وضربه ولم يتوقف عن تعذيبه إلى أن سبب له أكثر من عاهة مستديمة، ثم ألقى به في الشارع فاقداً للوعي. لم يستنكر أحد من الجيران فعلته، ولم يستطع المجني عليه إثبات أي تهمة على الجاني الذي لا يزال حراً طليقاً يتبجح بما فعله في حق من تحرش بخطيبته.
الحادثة الثانية كان بطلها لص قُبض عليه وهو يحاول سرقة أحد المنازل. وبدل أن يُسلم للشرطة، تناوب شباب المنطقة على ضربه وإهانته والتنكيل به قبل أن يسلموه للشرطة.
هذه الحوادث وغيرها الكثير مما لا يتسع المجال لذكره، مجرد عينة على ممارسات العنف التي يتقبلها المجتمع الليبي ببساطة، مثل عنف له ما يبرره، كضرب الأهل لأطفالهم مثلاً بحجة تقويم سلوكهم، وضرب المعلم للطالب لتأديبه، وضرب الأخ لأخته إن راوده الشك في أخلاقياتها. وهذه ليست حالات شاذة أو انتهاكات تحصل على المدى البعيد.
الطفل الذي يتعرض لعنف لفظى وجسدي من قبل والديه- وهما يشكلان المثل الأعلى بالنسبة له- يتعلم أن العنف أسلوب تعامل يجوز استعماله مع الآخرين، فيحق له ممارسة العنف بكل أشكاله ضد أقرانه بل وحتى ضد بيئته. وعندما يكبر هذا الطفل، يكون قد تشبع بثقافة العنف وأتقن ممارستها، ويُصبح من المتوقع أن يقوم بتعذيب من يعتبره عدوه بكل قسوة دون أن يشعر بالذنب، فالمجتمع الذي يتقبل العنف كوسيلة لتهذيب السلوك وللعقاب وحتى للتعليم، من الطبيعي أن يكون التعذيب سلوكاً طبيعياً في سجونه، وقطع الرؤوس وحرق الجثث، طريقة متوقعة للانتقام بين متطرفيه.
العنف ليس وليد الثورة، وليس أمراً مفاجئاً أن يتفجر بهذه الطريقة في ظل الفوضى التى نعيشها اليوم في ليبيا، والتى جعلت الاحتكام للقانون رفاهية يحلم بها المواطن، وصار المواطن ينتقم لنفسه بنفسه ويأخذ حقه بيده أو بسلاحه، ولكن دائرة العنف يتم توريثها من جيل الى جيل.