كلما ارتكب تنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة فعلاً شنيعاً، أو قامت دولة بترولية مؤمنة بقطع رأس أحدهم أو يده في ساحة عامة، يتصاعد الجدل بخصوص هذا الفعل أو ذاك، خصوصاً أن البشر حول العالم وفي هذا العصر، لم يعودوا يتقبلون هكذا طريقة للقصاص، ويشاركهم في ذلك كثير من المسلمين. لكن الجدل يأخذ منحىً آخر دائماً، ويفرض السؤال نفسه: هل يمثل ذلك الإسلام؟، الجلد وقطع الرقاب والأيدي مثلاً!، والقصاص من الملحد (المرتد) أو المِثلي أو أية طائفة لا تتماشى مع التصنيفات الخاصة بطائفة أخرى.
والحقيقة، ومن خلال التنقل في بلدان المسلمين وغير المسلمين، ومن تجربة شخصية فقط ولا تستند على أية دراسة، وجدت أن معظم المسلمين الذين التقيتهم يرون أن ذلك من الإسلام، وأنهم يعترضون فقط على من ينفذ القصاص، وأن تنفيذ القصاص له ضوابط وأسس، وليس كل من أطال لحيته له الحق في ذلك. هؤلاء جميعهم مسلمون معتدلون جداً، يستمعون إلى الموسيقى ويدخنون الأرقيلة، وبعضهم يحتسي النبيذ من حين لآخر، ويتابعون أفلام هوليوود ونجومها ويبحثون عن قصة حب جميلة ليعيشوها، والعديد منهم يعيشون في بلدان (الكفار) في ظل الديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان، وبقية المؤامرات والفتن.
وعلى الطرف الآخر، يقول بعض من المسلمين أن ذلك كله ليس من الإسلام في شيء، وأن الإسلام دين سلام وتعايش، وهؤلاء بالطبع يجدون أنفسهم في ورطة على الفور، إذا طُلب منهم تلاوة أية عشر صفحات من القرآن، أو فصلاً ما من كتب الحديث. وأظن المسلم الأول يعيش في درجة أعلى من الرضا النفسي بما يؤمن به بالمقارنة بالثاني، ولا أدري إن كان هذا الرضا سيستمر إذا افتتح سوق النخاسة من جديد في بلده وبرعاية ولاة أمره، ليجد نفسه يتفقد أثداء الجواري بصحبة أخته وفي شوارع عاصمته.
أما المسلم الثاني، فهو مضطر وفقاً للمنطق الذي ينطلق منه إلى الآتي:
أولاً: أن يرد كلما واجهه أحدهم بآية قرآنية تخالف ما يدعيه، بأن ذلك يخص حالة بعينها وعصراً مختلفاً، أو أن يكذب كما فعل مهدي حسن أمام ريتشارد دوكنز وينكر أن خلق الله للسماوات والأرض في ستة أيام ذكر في القرآن، وفي أحسن الحالات – وعلى طريقة الدكتور عدنان إبراهيم – بأن يستنبط الحكمة من الحالة ويبحث عن روح المعنى بدل الالتزام بالتفسير اللفظي للنص، وهذا الأخير يطرح أفكاراً فلسفية تخضع لأحكام البشر، ويثير الاختلاف تجاه النصوص المقدسة.
ثانياً: أن يرفض أحاديث نبوية صحيحة ولا جدال حولها، ويعتبرها اجتهادات بشرية تخطئ وتصيب، وهذه معضلة أخرى تصل به إلى تهمة إنكار السنة الشريفة والعياذ بالله.
وبهذا يتحول مسلمنا الأخير، وعلى خطى معظم المسيحيين واليهود، إلى متدين غير ملتزم بالنص الصريح، ويمنح نفسه مساحة أكبر وأكثر مرونة في تطبيق النصوص والنظر إليها، ويعتبر تدينه أمراً شخصياً وخاصاً وفردانياً، لا علاقة بالدولة أو رجل الدين به.
هذا مجرد عرض للحالة، ومن زاوية واحدة، والتي من شأنها الإطاحة برأس أي إنسان مثل شاة العيد، وسط تهليل الجميع وتكبيرهم، أقصد زاوية القرآن الكريم والأحاديث النبوية.
فأي مسلم أنت؟
جديرٌ بالذكر أن الأخ “صلي وارفع صباطك” لن ينجوَ من الجلد أيضاً من حين لآخر.