article comment count is: 0

نور العارف تكتب: انتهى نزوحي وضاعت ذكرياتي

بعدما هدأت الاوضاع في طرابلس وتوقف القصف بأيام بانتصار أحد الأطراف المتصارعة على الطرف الآخر، قررنا تفقد بيوتنا علّنا نستطيع العودة إليها والاستقرار فيها من جديد.

وباختلاف المناطق التي نسكنها، اختلف مصير بيوتنا، فمنا من لم يصب بيته بمكروه ووجد أن مظاهر الحياة بدأت تعود للمنطقة التي يسكنها وقرر العودة، ومنا من لم يكن له حظ هؤلاء وعاد ليجد بيته متضررا جراء القصف، ولكنه قرر العودة إليه وترميمه، فمهما كان، غرفة سليمة في بيتك أفضل من حياة النزوح في بيوت الآخرين.

أما الأسوأ حظاً فهو من عاد ليجد بيته وقد تم اقتحامه والعبث بمحتوياته حتى ولو لم يسرق منه شيء، فأن تدخل بيتك لتجد غرباء عبثوا به أمر لا يمكن تقبله مهما حاولت إقناع نفسك بأن حالك مازال أفضل ممن أحرقت بيوتهم. وعليك أن تعتبر نفسك من المحظوظين حتى لو حطم المسلحون كل ما في بيتك وحتى لو وجدت كل ملابسك وملابس أطفالك وكتبك وصورك وذكريات طفولتك وما كنت تحتفظ به ليصبح ذكريات لأطفالك، داس عليه الغرباء بأقدامهم. وماذا لو حطموا النوافذ ومزقوا الستائر وخربوا الأثاث؟ وماذا لو ثقبت رصاصاتهم وقذائفهم جدران بيتك؟ عليك أن تشعر بالامتنان لأنهم لم يحرقوا بيتك، ولأنك لم تكن ضمن من اضطروا لترك بيوتهم وكل حياتهم في طرابلس لمجرد أن أصولهم من مدينة شاركت في الحرب وخسرتها. ومهما حاولت الشعور بالامتنان وتقبل وجود بيتك وسط منطقة سكنية تحولت بفعل الاشتباكات لمنطقة عسكرية، تحتاج لدخولها للمرور عبر بوابات وللتعرض للتفتيش، إلا أنك ستفشل في الشعور بالامتنان، وكل ما ستشعر به هو الانتهاك وفقدان الخصوصية والعجز وقلة الحيلة أمام السلاح والمسلحين. فلا قانون ليأخذ لك حقك، ولا جهة حكومية يمكن أن تتظلم لها لتعاقب المجرمين.

لا أحد يتعاطف معك، فالجميع تضرر بطريقة أو بأخرى، ومجرد وجودك وعائلتك على قيد الحياة وسط فوضى مسلحة لا تميز بين مدنى وعسكري، هو نعمة قد تحسد عليها.

وإلى أن تشارك المدينة التي تعتبر أصولك منها في قتال، وتصبح لها عداوات، فأنت في أمان نسبي ولن يتم اختطافك أو تعذيبك أو حرق بيتك من أجل لقبك العائلي أو مدينة أجدادك. وإلى أن يحين دورك، فليس لك إلا الصمت والصبر والسعي لتعويض خسائرك، ولو أن بعض الخسائر يستحيل تعويضها.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

Tell us what you think