إن كل عمل إبداعي أيًا كان، لم يخرج للوجود بهذا الجمال و الإبداع من أول محاولة أو من أول تجربة، فلابد من الإصرار والمحاولات الفاشلة، فهي كالوقود الذي يدفع بالإنسان للمضي لتحقيق هدفه.
خلال هذا الشهر كنتُ قد نظّمتُ مع بعض الصديقات ورشة عمل لطلبة الشهادة الإعدادية بإحدى المدارس الخاصة في مدينتي هون، تحدثنا مطولاً مع الطلبة والطالبات عن أهدافهم في الحياة وكيفية رسم الخطط للمستقبل، وتوصلت لحقيقة مفزعة وهي أن معظم الطلبة والطالبات، لم يفرقوا بين الحلم والتمني، بين الهواية والمهنة. مفاهيمهم مشوشة، مما يكشف عن نشأة جيل ينقصه الكثير من الوعي الثقافي نتيجة للتنشئة الاجتماعية التي يعوزها الكثير من الفكر الناضج المتحضِّر؛ لذلك قد نجد فنانًا في رحلة بحثه عن ذاته وعن هويته يكون رساماً في فترة ما وينتقل بعدها للعزف، ليصل لنقطة البداية ويجد نفسه في النحت، وفي كل تلك المراحل يجد قطعة صغيرة من هويته إلى أن تكتمل الأحجية بشكل متناسق جميل.
إن الإنسان نتاج لتجاربه العديدة، والمبادرة هي المحرك الأساسي لهذه التجارب، والإرادة زادها، والصبر ديمومتها، لكن كثيراً من المحاولات ترصد على أنها فاشلة؛ بسبب الحملات الإعلامية التي تشكل حرباً من نوع آخر تُشن على المبدعين، من الشارع دون أن يكون وراءهم أجندة معينة، فالشارع الليبي أصبح مضطرباً في معاييره ويكيل بمكيالين، أحياناً يرى عملاً فنياً يقدمه فنان ما بأنه قمة في الإبداع والرقي، في ذات الوقت إذا قدمت فنانة هذا العمل نجدها تتصدر مواقع التواصل الإجتماعي، و يشهّر بها إلى أن تنصاع لرغباتهم وتمارس فنها داخل قفص العادات والتقاليد.
إننا كشباب ليبيين مهتمين بالحركة الثقافية في الشارع الليبي، ينقصنا العمل وفقاً لاستراتيجيات مدروسة، تجعلنا قادرين على ممارسة الفن ونشر الثقافة لإعادة بناء الهوية الليبية المدمرة إثر الحرب، فالحرب ما هي إلا مرحلة عابرة ولكن ماذا بعدها؟، كيف ستكون هويتنا الليبية؟ إذا لم نعمل على تداركها من خطر انصهار العديد من الثقافات العربية الأخرى التي أصبحت تغزو ثقافتنا، حينها ستختفي هويتنا شيئاً فشيئاً، كما حدث ولا زال يحدث في الملبس -على سبيل الذكر لا الحصر- ذي الصبغة الخليجية وحلول اللون الأسود بدلاً للأبيض المتمثل في الفراشية.
إن استنقاصنا لأنفسنا والتقليل من قيمتها هو ما أدى إلى ظهور عدة أجيال بذات الفكر المستبطن منذ عقود طويلة، فنجد أنه عندما يبدأ الفنان بعرض فنه لا يجد رواجا كبيراً من المتلقي، بل على العكس قد يجد المحبطين والذين يسحبونه إلى الوراء، في حين عندما يستمر في ممارسة شغفه بكل حب وإصرار ويشارك في برامج أو معارض عالمية، حينها سيأخذ بطاقة القبول من الجمهور وكأن الشارع الليبي غير واثق في ذوقه الفني، وهذا الشيء ليس بغريب، إذا أننا كشعب لم نتربى على حب الفن وممارسته، واتخاذه كأسلوب حياة لنا، لذلك علينا اليوم أن نُحيي هذه السلوكيات ونربي أطفالنا عليها لينشأ جيل محبٌ للفن، حاملٌ لألعاب الرسم والموسيقى، وقارئ للكتب، بدلاً من أن نربيه على اللعب بالمسدسات البلاستيكية والخط ولوح
احسنتي
صحيح , نحتاج لبناء منظومة ثقافية فمنذ الاستقلال لم تعرف ليبيا ثقافة ليبية اصيلة فقط استيراد من العرب والغرب ومزجهم بصورة مشوهة ..