أحبذ أن أطلق عليها متاجر طعام، هذه المتاجر تتكاثر في ليبيا وتنمو بسرعة في العشر سنوات الأخيرة، وازداد روادها أضعاف الأضعاف يومياً، فهل يا تُرى هذا الازدياد راجع إلى كثرة المقاهي أم العكس؟.
تتطور المقاهي بشكل كبير في العالم أجمع، فيتنافس الجميع جدياً لتقديم وجبات مغايرة لوجبة الطعام التقليدية. قد تكون الوجبة عبارة عن مبادرات اجتماعية أو نقاشات ثقافية أو موسيقى.
في ليبيا كانت ومازالت الفكرة جداً مغايرة، فمتاجر الطعام هنا مازالت كلاسيكية، فهي المكان الذي يقدم طعاماً وشراباً فقط، وبذلك سينعكس منتوجها الكلاسيكي على كافة روادها خاصة الرواد منها يومياً. هذه المقاهي هي بمثابة مسارحٍ لا تقدم عروضاً موسيقية أو درامية سوى عروض المنيو ومأكولاته المتنوعة.
ولو بحثت جيداً لوجدت جُلاس المقهى أكثر بأضعاف من جُلاس المسرح، لربما قد يسأل أحدهم: هل المطلوب من المقهى تقديم شيء آخر غير الطعام؟ الإجابة : نعم مادام المقهى يحتضن عامة الناس وخاصتهم فهو المكان الجيد والبيئة المناسبة لتناول أي شيء، وترويج لأي شيء، بل هو الأيقونة المهمة في حياة الشباب حالياً حيث يقضي العديد منهم أوقاتاً طويلة في هذه المحطة المهمة لاحتساء وجبة ترضي المعدة فقط. ولم تقدم لهم المقاهي في السابق أي منتج قد يرضي الأذهان والعقول، فتصبح بمثابة دور نشر حية أو مناقشة فيلم ما برز في السنة الجديدة. النقاشات الإيجابية تثري الفكر وتصنعه بل وتطوره إلى ما هو أبعد من ذلك. فلما لا تطرح الأفكار وتُروج – ليس تقليلاً منها – بل لأن الفكر هو منتج كباقي المنتجات ولابد له من ترويج وتسويق ليس فقط عن طريق دور النشر والمدارس بل عبر كافة الأماكن والمنابر وعلى رأسها المقهى.
ورغم كل هذا فقد برزت مبادرات من المجتمع المدني الليبي مؤخراً أهمها مبادرة “أنا توفيق” والتي احتضنها مقهى O2 في طرابلس. كان للمقهى الدور الأبرز والفعال في تسويق المبادرة؛ نظراً إلى كثرة رواده الذين تفاعلوا مع هذه المبادرة التي لم تكن حبيسة القاعات الرسمية والمكاتب المغلقة والجدران الإسمنتية.
فهل سنشاهد مقاهينا تتحول إلى أماكن للمبادرات والفعاليات الثقافية والفكرية بدلاً من أن ينحصر دورها في تقديم الوجبات مثلها مثل المطاعم؟.