العام 2012م، أصوات التكبير في كل مكان كأننا في يوم عيد وأكثر من مليون و200 ألف ناخب يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في مناطقهم ليدلوا بأصواتهم في أول انتخابات تشهدها البلاد منذ أكثر من 42، الغالبية يشاركون للمرة الأولى والإبتسامة على وجوه أولئك الذين ذهبوا للانتخاب ورأوا في هذه الانتخابات فرصة لبناء ليبيا الجديدة، حتى أن أغلب هؤلاء خرجوا في ذات اليوم بمركباتهم يحملون أعلام الاستقلال آخذين معهم أطفالهم وعائلاتهم في مشهد يذكرك فعلا بيوم العيد.
ودون إجابات حقيقية على تلك الأسئلة صوت الليبييون لصور الزعيم الخبير وداعية الدين ولأحزاب الأصدقاء والأقرباء، حتى أن بعضهم دخل الانتخابات وهو يبحث عن الخبير ليصوت له في انتخابات ظنها رئاسية
قبل شهرين أو ثلاثة من تاريخ 7 يوليو 2012، أخذت اللافتات تنتشر في كل مكان حاملة لأسماء أحد أكثر الأسماء الممنوع تداولها طيلة 42 عاما: “الأحزاب”. حتى أن الكثرين قد ظنوا بأن شعارات اللجان الثورية المنتشرة في كل مكان “من تحزب خان” حديث نبوي شريف وأنا هنا لا أبالغ، ولأن نقد الأنظمة السابقة ليس موضوع هذه المقالة سأتجاوز التجربة التاريخية الليبية مع الانتخابات لأعود مرة أخرى إلى لافتات الأحزاب المنتشرة في كل مكان، إذ أنك تكاد تجد علامات الاستفهام مجازا فوق رأس كل مواطن في سن الناخبين، إنها أسئلة حقيقية تتجاوز معاني أسماء وشعارات تلك الأحزاب الناشئة إلى أسئلة حقيقية حول التمويل، المشروع والأيديلوجيا، فهي أسئلة وضعها التنافس بين تلك الأحزاب على الشاشات ومواقع التواصل الاجتماعي لتشكك في إجابات هذه الأسئلة لدى خصومها دون أن تتقيد هي بشفافية الإجابة عنها، ودون إجابات حقيقية على تلك الأسئلة صوت الليبييون لصور الزعيم الخبير وداعية الدين ولأحزاب الأصدقاء والأقرباء، حتى أن بعضهم دخل الانتخابات وهو يبحث عن الخبير ليصوت له في انتخابات ظنها رئاسية.
بعد ستة سنوات من ذات التاريخ أيضا تعود كلمة الانتخابات للشاشة مجددا بعد غياب أربعة سنوات انتخبنا فيها مجلس نواب الجلسات المعلقة، ولجنة إعداد للدستور تحارب من أجل الإعتراف بمخرجات عملت عليها لسنوات عديدة تحت التهديد والوعيد، عاد الأمل في إقامة انتخابات جديدة لتغيير الوجوه وللعودة إلى معارك الملاكمة والشتم تحت قبة البرلمان، فهي لا زالت أفضل كثيرا من الصواريخ والقذائف التي ظلت تنطلق لسنوات طويلة من كل مكان.
حينما تحدث غسان سلامة عن تجديد سجل الناخبين وعن مواعيد مقترحة لانتخابات قادمة -بعد الإتفاق على قاعدة دستورية لا نعلم ما إذا كانت ستكون الدستور الذي انتظرناه أم بدعة جديدة أخرى بتعديل لا نعلم رقمه على الإعلان الدستوري- عاد إلى ذهني سؤال ملح، يا ترى في حال حدثت تلك الانتخابات المرجوة أي حزب سيفوز هذه المرة؟، وهل ستجيب الأحزاب الحالية والجديدة إن وجد عن سؤال الانتخابات (التمويل، المشروع والأيديولوجيا)، أم أننا سنظل نتعامل مع ذات الداء دون دواء، فرغم أن الزمان لوحده كان كفيلا بالحصول على إجابات حول بعض هذه الأسئلة بخصوص أغلب الأحزاب إلا أنها ليست كافية حتى الآن، فالإجابات لم تكن من خلال شفافية هذه الأحزاب نفسها وإنما فهمناها استنباطا واستقراءاً، أو بكلمة أسهل فهمناها من خلال سياق الأحداث، فالأحزاب التي لم تكن تملك مشروعا أو أيديولوجيا واضحة وبالتأكيد لم تكن تملك تمويلا اختفت بعد لم يكن لها أي نصيب في انتخابات العام 2012، أما الأحزاب التي ارتبطت بشخصيات معينة كان لها دور في الحياة السياسية لا لدورها الحزبي بل لدورها كشخصيات سياسية بعينها أو لعضويتها في المجلس الأعلى للدولة ظلت اسماً لا مؤسسةً، ومن بين كل هذه الأحزاب ظل حزبان فقط اسما ومؤسسة لكن دون الإجابة عن سؤال التمويل والمشروع والأيديولوجيا الحقيقية المؤطرة لا أيديولوجيا مواقع التواصل الاجتماعي، وإن كان سؤال التمويل بالنسبة لي قد أكد إشاعات الجمهور حول دوربسيط لرجال أعمال ليبيين ودور أكبر لدول بعينها أنتجت أموالها قنوات إعلامية ومباني ونشاطات تجاوزت تكلفتها عشرات الملايين سنويا ولن أبالغ إذا ما قلت أنها تجاوزت ال100 مليون في سنة واحدة.
لازلت أفكر فيما يمكن أن تكون عليه الانتخابات القادمة خاصة بعد خسارة الأحزاب القديمة لكثير من جمهورها وأعضائها فضلا عن الكثير من قياداتها وحتى تحالفاتها مع القوى الأخرى، وهو تفكير يأتي في إطار الترف الفكري في وضع نعيش فيه عنق زجاجة حقيقي، إما أن يذهب بنا لحياة مدنية أو يعيدنا لمربع حكم عسكري شمولي، لكنني أيضا أرى تفكيري مشروعا فسؤال البحث يأتي من وراء الإحساس بالمشكلة والمشكلة التي أراها بوضوح هي أننا بدون شفافية في الحديث عن مصادر التمويل ودون توضيح حقيقي للأيديولوجيا ودون مشروع واقعي لن تكون الأحزاب الحالية والقادمة سوى أحزابا لمجموعة من الشخصيات التي تربطها مصالح النفوذ و السلطة والنزاع على الموارد لا أكثر.
والله اجمل فكره في هذا الموضوع
نعم أسئلة مههمة والإجابة عليها أهم، معرفة مصادر تمويل الاحزاب. الفكر الذي ترتكز عليه هي من أساسيات نجاح واستمرار الأحزاب والعمل على التداول السلمي للسلطة.