” أخبرته بأني عذراء” هذه الجملة قالتها بتول وهي منهمرة في البكاء عند إخبارنا تفاصيل حادثة اغتصابها.
بتول البالغة من العمر 31 عاماً فتاة تصغر أربعة ذكور في أسرة ذات مستوى معيشي متدني في مدينة سبها، لم تتسنى لها الفرصة لإكمال تعليمها بعد وفاة أبيها ولجأت إلى العمل كخادمة تنظف البيوت وتأخذ ما تيسر لها من أجر تساعد به والدتها وتقضي به لوازم حاجياتها اليومية.
أخبرتني وهي تتحسر على حلم حياتها بالحصول على شهادة تعليمية تغني بها نفسها، ولتحقيق حلمها قامت بالاشتراك في إحدى المدارس الثانوية بالحي المجاور عبر تعليم منزلي يقتضي حضورها لإجراء الامتحانات فقط.
تقول: خرجت من البيت عند السابعة والنصف صباحاً لإجراء امتحاني، لم يخطر ببالي أن يحمل ذلك اليوم كل الأسى الذي سيرافقني طيلة عمري، مررت بأحد الشوارع الجانبية، وإذا بأحدهم يلاحقني بسيارته وأحسست بصوت خافت يناديني “اسمعي، اسمعي” التفت وتفاجأت ببندقية موجهة صوبي، حاولت الهروب ولكنه أجبرني على الصعود معه في سيارته، وهددني بأنه سيفرغ سلاحه في رأسي إن لم ألتزم الصمت التام. خفت وكان عقلي قد توقف عن التفكير في العواقب التي ستلحقني ولم أتمكن حتى من الصراخ ولا التفوه بأي كلمة.
تضيف باكية: توجه بسيارته إلى أحد الأماكن الرملية الخالية، حاولت استعطافه وإخباره بأني فتاة عذراء وفعله سيدمر حياتي، توسلت إليه ورجوته أن يتركني وشأني ولكنه أبى وقام بالصراخ بوجهي وأخذ يكيل لي الشتائم، وضربني واغتصبني دون الاكتراث لبكائي.
توقفت بتول عن سرد معاناتها وغطت وجهها بكفي يديها وأجهشت بالبكاء، فلم نجد كلمات تواسيها أو تعبر لها عن أسفنا لما حدث، تمالكت نفسها لولهة وأكملت حديثها بجمل متقطعة: رماني بحي مجاور وبقيت حتى وجدني أحد المارة مع زوجته، نظرا إليَّ بصمت، فمظهري كان كفيلاً بإعطاء الإجابات الوافية لتساؤلاتهم، أخبرتهم عن عنوان سكني وقاما بإيصالي ودخلت متسللة لتفادي أن يراني أحد إخوتي بهذا المنظر الشنيع.
تابعت: “كانت أمي جالسة عند مدخل صالة البيت تحيك كنزة صوفية تقيها برد الشتاء القادم، عند دخولي إليها لم تقوى على الحراك ولا النطق اصفرّ وجهها وازرقت شفتاها عند رؤيتها لتلك الكدمات على وجهي والدماء التي غطت ثيابي، جثوت عند قدميها صاغرة وباكية، لم أستطع تدارك نفسي وبدأت أصرخ حرّ ألمي وقهري وأسرد على مسامعها ما حدث معي، فأدخلتني غرفتها وهي تحتضنني باكية كأنها تقول أستسمحك يا ابنتي فما باليد حيلة، أمي وكما اعتادت أن تقول لي دائماً لا أعلم من أين يأتي الصبر ولكن الله ينزله مع كل بلاء، سعت جاهدة للمحافظة على حياتي، وأخفت الحادثة عن إخوتي مخافة أن يقوم أحدهم بقتلي ليثلج نار صدره ويمحو عاره بالكتمان وعدم إخبار أحد”.
أضافت “عند حلول الظهيرة ذهبت أمي لإحدى الجارات وهي طبيبة بالمستشفى المركزي للمدينة، قامت بإحضارها للبيت سراً لتضمد جروحي، واستجابت لرجاء أمي بالتستر على ما سوف تشهده بأم عينيها، لم أكن أحلم سوى بشهادة تعليمية والآن لم أعد أملك حق الشهادة ولا حتى الحق في أن أصبح زوجة وأم كباقي الفتيات، قد ضاع شرفي وسيكون موتي محتم لو علم أحد بما حدث لي”.
حاولنا إقناعها باللجوء إلى القضاء وأنه سيحميها من إخوتها، ولكنها كررت وقالت إن ضياع شرفي سيكون عدو للقضاء، وسيتمكن إخوتي من إخفاء حقيقة طهري عن المجتمع، تمتمت بحسرة وعيناها تدمعان: هذا نصيبي في الحياة ولا اعتراض على حكم الله وقضائه، واختتمت حديثها برجاء من الله أن يأخذ حقها ويرزقها الصبر لتكمل حياتها بسلام.
ودعناها بقلوب مكسورة محاولين أن ندعمها بكلمات من القوة والأمل لتكون قادرة على إحياء روحها القتيلة، هذا هو النمط الاعتيادي لإنهاء كافة قضايا الشرف في مجتمعنا الشرقي القبلي حيث لا يزال أمية ابن خلف يعذب بلال.