يتساءل الليبيون بمشاعر متضاربة قد يطغى عليها الارتياح: هل غادر حقاً 2015؟
فقد كانت سنة كبيسة على ليبيا وشعبها، بل وعلى دول الجوار، وصل فيها تردي الأوضاع المعيشية وتدهور الاقتصاد وارتفاع معدلات الجريمة بكل أنواعها مستوى خطيراً، إضافة للانهيار المستمر للبنية التحتية والنفسية ولفقدان الأمل الحاد وانسداد الأفق، والشرخ الاجتماعي الذي قد يتسع على الراتق إن كانت بداية العام الجديد موصولة بقطار سابقه الأعمى..
بلد تحكمها حكومتان، شرقية وغربية، وبرلمانان، وفي الوسط دويلة تهدد العالم كله اتخذت من سرت عاصمتها وحصنها، ومنها تتمدد في كل اتجاه وعلى كل الصعد، والجنوب دوما مهمل ومنسي وفي ذيل القائمة، وحكومة جديدة أممية يأمل منها الليبيون ويتخوفون في الآن ذاته، فقد يوطنها المجتمع الدولي في طرابلس قسرا لكنه ربما يتخلى عنها ويتركها كالعادة تصارع أمواج الخضم الليبي الذي لا يمكن التنبؤ بمده وأعاصيره، والرياح الليبية التي لا قدرة على رصدها بدقة ولا السيطرة على عواصفها الجامحة حد الاقتتال الأهلي.. إنها (القارة الليبية) كما يطيب للبعض وصفها، معبر المهاجرين من ضياع بلدانهم إلى الحلم الأوروبي، ومعسكر المسلحين من كل مكان ومن جميع الأيديولوجيات، ومقبرة الضحايا الآلاف، ولكنها أيضا مستقبل أطفال يستحقون العيش بأمن ورغد، ليكبروا في جو التفاؤل بدلا عن سوداوية حياة أهاليهم، ومصيرهم الذي بأنيابه نهش منهم وفيهم وما يزال، ولا يعرف أحد متى يرتوي!
كان 2015 العام القاسي، فهل سيكون 2016 العام الشديد؟ فإما أن تكون الشدة على الناس أو أن تكون الشدة بمعنى القوة في مواجهة التحديات وحفر كوة في جدار البؤس والشقاء والرعب، يتسلل منها خيط رفيع من الضوء يلف الناس بأفضل مما كان، رغم أن كل شيء مقارنة بالحالة الليبية اليوم هو أفضل، وعسى أن لا يكون هناك ما هو أسوأ. ولعل ما يحتاجه الليبيون حقا هو الطمأنينة وانزياح الهم، كما كان يردد جدي رحمه الله: (( يا ربنا يا المطلوب ياعالماً بالخفيّه، فرّج علي كل مكروب ونا زاد فرّج عليّا))، وكما قال صلاح عبدالصبور: ((الناس في بلادي جارحون كالصقو ر، غناؤهم كرجفة الشتاء في ذؤابة المطر، وضحكهم يئز كاللهيب في الحطب، خطاهم تريد أن تسوخ في التراب، ويقتلون يسرقون يأكلون يجشؤون، لكنهم بشر.. وطيبون حين يملكون حفنتي نقود، ومؤمنون بالقدر مع ر)، .مع الوعي بأن الناس هم أساس التغيير الفعلي نحو الأحسن، بتجاوز سوء الظن المتفشي والتمييز وتغليب العقل والضمير والعمل، والتضامن الحقيقي وجه من يريد الشر بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، واحترام الكيان المؤسساتي والدفع به ومساعدته على تحقيق برامج السيطرة الإيجابية والتنمية بمستوياتها.
وقد يبدو هذا الكلام نوعا من الترف في واقع متشظٍ إلى هذه الدرجة، لكن هذه هي السكة الصحيحة، وإلا فمزيدا من الانحراف والانجراف إلى ما يعلم آخره ولا تحمد عواقبه ولا تضمن نتائجه. إننا شعب يستحق أن يعيش بأمل مثل غيره من الشعوب، وألا تسيطر عليه النزعات ولغة السلاح والاستقطاب الدموي، نحن بشر كغيرنا، لنا أجسام وأرواح وعقول وأحلام كغيرنا، نخطيء كثيرا لكننا قد نصيب، ونتوه كثيرا لكننا نتطلع للمنارة كي نرسو بسفينتنا المنهكة على بر الوعد بالحياة الكريمة، وهي أبسط حقوق الآدمي ونحن آدميون، لا نقبل أن ينظر إلينا العالم كرعاع أو إرهابيين أو غنيمة أو قطيع، مصيرنا بأيدي غيرنا الآن لكن ليس دائما، وسنعطي العام الجديد بعض الثقة وكثيرا من أمنيات بالحظ الوافر، وبإشراقة منتظرة لنهار دافيء سعيد، فقد طالت ليالي البرد والخوف والجوع والرعب، وآن للصبح أن يتقدم وللشمس أن تبسط ابتسامتها في حياتنا.