عندما تكتب رأيك في مساحة ما، وخصوصاً المساحة محدودة الكلمات، فإنك بطبيعة الحال تتعرض لسوء الفهم، وهذا أمر مفهوم، خاصة إذا كنت كاتباً غير محترف، وإذا كانت أفكارك – أو ما تدّعي أنها أفكارك – ليست نتيجة بحث طويل ومعارف حقيقية، فتسيء استخدام مصطلح ما وتضع لفظاً آخر في غير موقعه. ومع ذلك، يأتي القارئ في كثير من الأحيان بسوء الفهم معه، ويحشوه بنفسه بين السطور والنوايا. القارئ المتعصب المليء بكل ما خلق الله من عقد، والذي لا يميز بين الفكرة والحدث، ويطالبك على الدوام بطرح أي فكرة في قالب محسوس ملموس، وأن تضرب أمثلة صريحة وموجهة لتشفي غله الشخصي.
قد تكتب غداً تدوينة أو مقالاً عن التعصب، وتتلقى وابلاً من المدح من صديقك أو رئيس التحرير، وسيخبرك الأخير أن مقالك قرئ بشكل ممتاز، وتمت مشاركته على نحو مذهل من قبل أبناء بلدك الطيبين. لكن السيد المحرر ليس مهتماً بشكل هذه المشاركات ونوعها، ولا يعرف أن هذه المشاركات ستكون في معظمها على النحو التالي: “مقال رائع يصف تلك (القبيلة-القرية-المدينة-العرق..الخ) الحقيرة والمش لطيفة”، ويتاجر بالكلمات كما يتاجر بالمشردين والقتلى، وتنتشر مقالات ومناشير وتدوينات انتشاراً سلبياً ولا يخلو من الوضاعة.
بينما يكون المقصد الحقيقي من الحديث عن التعصب هو نقد ورفض قيمة رديئة، تلتهم مجتمعنا وتغرقه في الكراهية، بغض النظر عن شكل المتعصب ولونه، وبما أننا نتحدث عن قيمة، “فالزواق” والمظهر الخارجي يجب أن يسقط تماماً، وأن لا نجعله يخدعنا أو يتحايل علينا بأي شكل، فتعصبي لقبيلة “كيافي” العريقة، لا يختلف عن تعصبي لمدينتي (طرابلس أو بنغازي مثلاً)، التعصب واحد كموقف أعمى وغير عقلاني.
مشكلة عويصة أخرى، إذا انتقدت طرفاً أو فعلاً أو حتى فكرة، فسيطلب منك على الفور أن توضح أسباب عدم ذكرك للطرف الآخر، وعدم نقدك له، بالرغم من كون القارئ لا يعرف أنك ربما ترى في الطرف الآخر كل سيئات الأرض، لذا ليس هنالك مفر إلا أن تكتب مقالاً من سبعين ألف كلمة كل مرة تعبر فيها عن رأيك، وتوضح فيها آراءك في كل شيء منذ الولادة، وتجنب نفسك بعض سوء الظن والشتائم.
مشكلة عويصة أخرى، الخلط بين المبادئ أو القيم والآراء، فعلى سبيل المثال، إذا اعتبرنا الإنسانية مبدءاً أو قيمة، فإن رأينا – الذي يجب أن يتسم بالمرونة- لابد أن يتغير عندما يتعارض مع هذا المبدأ، عندما يبدأ طرف نناصره في ارتكاب جرائم في حق الإنسان مثلاً، ومن هنا نرفض جرائم فبراير بمبدأ رفضنا لجرائم سبتمبر. الأمر بهذه البساطة، وليس كما يظن قرويو فبراير، بأننا نتباكى على سبتمبر العظمى و”امرايفين عالسباحة” في النهر الصناعي. هذا بالطبع إذا كنت إنساناً لا تعاني من فصام ما وحفنة أمراض أخرى.
تغيير رأيك في أي شأن وصمة عار أزلية، الراجل المصنّع الممنّع ما يغيرش كلمته.. لذا تجد فريقاً من المختصين يجمعون الـ”سكرين شوتس” لكل من يقول رأيه، ويذكرونه به رغبة في إذلاله فقط، لأنه يرى الأمور بشكل مختلف اليوم. هذا بالطبع يحصل في السويد وبعض قرى اسكندنافيا.