article comment count is: 0

سالم أبوظهير يكتب: الأحوال النفسية في ليبيا بعد الحرب

في ملخص لنتائج دراسة أجريت في المعهد الدانمركي لمناهضة التعذيب، بالتعاون مع جامعة بنغازي الليبية نشرتها الواشنطن بوست في 26 نوفمبر العام الماضي، ونقلا عن صحيفة الغارديان البريطانية، نطّلع على أوضاع الليبين بعد موت القذافي بثلاثة سنوات.

استطلعت الدراسة آراء 2،692 أسرة ليبية في الشرق الليبي. نوهت الواشنطن بوست في مقدمة عرضها للدراسة أن هذة النتائج، تم استخلاصها عندما كان الوضع في ليبيا على درجة من الاستقراروالهدوء بشكل أكثر مماهي عليه في أواخر عام 2014 (ناهيك عن 2015).

 

الحرب الأخیرة التي شنها الناتو لإسقاط نظام معمر القذافي وما تلاها من اشتباكات عنيفة وما خلفته هذه الاشتباكات المتواصلة، ثم هذه الحرب القذرة وما خلفته من آثار القتل والتدمير والتهجير الطوعي والقسري داخل ليبيا وخارجها، تعتبر تجربة مريرة وغیر مسبوقة مرت بهـا ليبيا.

إحصائيات الخسارة كارثية ولكن لا يمكن لحد الآن الوثوق في صحتها، لتعكس الواقع وتفسر ماحدث بشكل دقيق، ولكنها بكل تأكيد خلفت الحرب دماراً للبنية التحتية، وخلفت قتلى وجرحى ومهجرين. وأخطر من هذا كله نفسية ليبية غير متوافقة، لايمكنها أن تتكيف وتتعايش مع حرب تمیزت بالوحشـیة، مشاهدها وما فيها من شرور، عاشها الليبيون واقعاً ملموساً، وتركت آثارها السلبية على الجميع باختلاف أعمارهم ومستوياتهم.

وتضاعفت هذه المعاناة التي لحقت بليبيا جراء هذه الحرب ،عندما نقلتها وسائل الاعلام المحلية والعالمية، لتدخل كل بيت وتبقى صور القتل والخطف والمجازروالتعذيب والتهجير راسخة في ذهن كل ليبي.

ولئن نسى العالم أوتناسى هذه الكوارث، فلن يكون من السهل على الليبين الذي اكتووا بنارها أن تغادر رائحة اللحم المحروق أنوفهم، ولا أن تتوقف آذانهم عن سماع أصوات الأنین والبكاء بحرقة مكلومة على وطن يكاد أن يضيع، وما ينتج عن هذا من اضطراب في الحواس، تبعه بشكل تلقائي مشاعر مختلطة ومتشابكة ومعقدة قویة قاسیة تتلخص في حالات من العجز والفشل والرعب وعدم الشعور بالأمن والأمان. ومن أخطر ماخلفته نتائج هذه الحرب عوامل الضغط النفسي السلبية لليبيين.

 

وأشارت دراسة المعهد الدانماركي لمناهضة التعذيب، لقلة عدد العلماء والأطباء والمعالجين النفسيين وخبرتهم  المحدودة للغاية في علاج الصدمات النفسية وآثار التعذيب والحرب. كما وجدت أن 20٪ ممن شملتهم عينة الدراسة، لديهم أحد الأفراد مختفي ولايعرفون عنه هل هو حي أم ميت، و11٪ من الأسر، تم القبض على أحد أفرادها من قبل جماعات مسلحة، و 5٪  ممن قبضوا عليهم تم قتلهم. كما تعرض 46٪ من عينة الدراسة للضرب أو التعذيب الجسدي أو النفسي.

وبينت النتائج أن 29٪ من الأفراد ضمن الأسر التي شملها الاستطلاع، يعانون من القلق والاكتئاب، وما نسبته 30٪ من العينة، لديهم مستويات متفاوتة من الشعور بالتوتر وعدم الاستقرار،  و 63.6٪  من الأفراد لديهم اعتقاد تام بأن الدولة الليبية انهارت بشكل كامل وتحتاج لوقت طويل لتعود كما كانت، ويشعر 61.2٪ بانعدام الأمن والأمان في المكان الذي يعيشون فيه.

وفي تصريح للطبيب النفسي الليبي عبد الرؤوف إدريس، نشرته مؤخراً شبكة الأنباء الإنسانية قال: ” قبل الحرب، كنا نرى ما بين سبعة وعشرة مرضى جدد يومياً، أما الآن، فإننا نستقبل عدداً أكبر يتراوح بين 20 و30 مريضاً نفسيا”. وختم الطبيب ادريس تصريحه الطويل مؤكداً بالقول: “يمكنني أن أتنبأ بأن هذا الجيل سيعاني من مشاكل نفسية وخيمة بعد عشر سنوات، مثل السلوكيات الوهمية أو الهوس”.

وفي تقرير حديث نشر في سبتمبر 2015 على موقع (اليونيسيف) التابع لهيئة الأمم المتحدة والمعني برعاية الأطفال في العالم، أكد أن ما يقارب من مليوني طفل ليبي في سن المدرسة، لايذهبون لمدارسهم بسبب التهجير من مناطق سكنهم أو بسبب تعرض المدارس والبنية التعليمية للهجمات المتكررة. وأشارت اليونسيف في ختام تقريرها إلى أن هؤلاء الأطفال سيصبحون على نحو متزايد مقاتلين منذ سن صغيرة، بسبب ما يرونه من قتل وخطف واعتقال، وأن العالم بصدد فقدان جيل كامل من الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وإنه يجب التحرك وإلا سيلحق ضررعلى المدى البعيد بالأطفال في المنطقة ويتعذر تغييره.

ولابد من التنويه إلى أن الهدف من عرض نتائج بعض هذه الدراسات هو توجيه أنظار المسؤولينؤوالمواطنين لخطورة وآثار هذه الحرب السيئة، وليعملوا معاً بشكل متضامن على إزالتها، أو على أقل تقدير أن تتضمن خطط صناع القرار في ليبيا، إعـطاء هذا الموضوع الشائك الأولوية التامة لتنفيذ أي برامج من شأنها التقليل من أخطار هذه الحرب اللعينة  الآن وعلى المدى الطويل.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

Tell us what you think